[ ص: 513 ] الفصل الثاني  
فيما يدخله  التأويل   
وهو قسمان : ( أحدهما ) : أغلب الفروع ، ولا خلاف في ذلك .  
( والثاني ) : الأصول ؛ كالعقائد ، وأصول الديانات ، وصفات الباري عز وجل . وقد اختلفوا في هذا القسم على ثلاثة مذاهب .  
( الأول ) : أنه لا مدخل للتأويل فيها ، بل يجري على ظاهرها ، ولا يؤول شيء منها ، وهذا قول المشبهة .  
( والثاني ) : أن لها تأويلا ، ولكنا نمسك عنه ، مع تنزيه اعتقادنا عن التشبيه والتعطيل لقوله تعالى :  وما يعلم تأويله إلا الله   قال  ابن برهان  وهذا قول السلف .  
( قلت ) : وهذا هو الطريقة الواضحة ، والمنهج المصحوب بالسلامة عن الوقوع في مهاوي التأويل ، لما لا يعلم تأويله إلا الله ، وكفى بالسلف الصالح قدوة لمن أراد الاقتداء وأسوة لمن أحب التأسي على تقدير عدم ورود الدليل القاضي بالمنع من ذلك فكيف وهو قائم موجود في الكتاب والسنة .  
( والمذهب الثالث ) : أنها مؤولة ، قال  ابن برهان     : والأول من هذه المذاهب باطل ، والآخران منقولان عن الصحابة ، ونقل هذا المذهب الثالث عن  علي   وابن عباس   وابن مسعود   وأم سلمة     .  
قال   أبو عمرو بن الصلاح     : الناس في هذه الأشياء الموهمة للجهة ونحوها فرق ثلاث :  
ففرقة تؤول ، وفرقة تشبه ، وثالثة ترى أنه لم يطلق الشارع مثل هذه اللفظة إلا وإطلاقه سائغ وحسن قبولها مطلقة ، كما قال مع التصريح بالتقديس والتنزيه ، والتبري من التحديد والتشبيه ، قال : وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها ( وإياها )      [ ص: 514 ] اختارها أئمة الفقهاء وقادتها ، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه ، ولا أحد من المتكلمين يصدف عنها ويأباها ، وأفصح   الغزالي  في غير موضع بتهجير ما سواها ، حتى ألجم آخرا في إلجامه كل عامل وعامي عما عداها . قال وهو كتاب " إلجام العوام عن علم الكلام " وهو آخر تصانيف   الغزالي  مطلقا ، حث فيه على مذهب السلف ومن تبعهم .  
قال  الذهبي  في النبلاء في ترجمة   فخر الدين الرازي  ما لفظه : " وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ، ولا تروي غليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، اقرأ في الإثبات  الرحمن على العرش استوى   ،  إليه يصعد الكلم الطيب   واقرأ في النفي  ليس كمثله شيء   ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي . انتهى .  
وذكر  الذهبي  في النبلاء في ترجمة   إمام الحرمين الجويني  أنه قال : ذهب أئمة السلف إلى  الانكفاف عن التأويل   ، وإجراء الظواهر على مواردها ، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى ، والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة .  
هكذا نقل عنه صاحب النبلاء في ترجمته ، وقال في موضع آخر في ترجمته في النبلاء إنه قال ما لفظه : " اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السلف " انتهى .  
وهؤلاء الثلاثة أعني :  الجويني   والغزالي  والرازي  هم الذين وسعوا دائرة التأويل ، وطولوا ذيوله ، وقد رجعوا آخرا إلى مذهب السلف كما عرفت ، فلله الحمد كما هو له أهل .  
وقال  ابن دقيق العيد     : ونقول في الألفاظ المشكلة إنها حق وصدق ، وعلى الوجه الذي أراده الله ، ومن أول شيئا منها ، فإن كان تأويله قريبا على ما يقتضيه لسان العرب ، وتفهمه في مخاطباتهم لم ننكر عليه ، ولم نبدعه ، وإن كان تأويله بعيدا توقفنا عنه واستبعدناه ، ورجعنا إلى القاعدة في الإيمان بمعناه ، مع التنزيه ، وقد تقدمه إلى      [ ص: 515 ] مثل هذا  ابن عبد السلام  كما حكاه عنهما  الزركشي  في  البحر  والكلام في هذا يطول ; لما فيه من كثرة النقول عن الأئمة الفحول .  
				
						
						
