واعلم أن ركن من أركان القياس كما تقدم ، فلا يصح بدونها; لأنها الجامعة بين الأصل والفرع . العلة
قال : من الناس من اقتصر على الشبه ، ومنع القول بالعلة . ابن فورك
[ ص: 605 ] وقال ابن السمعاني : ذهب بعض القياسيين من الحنفية وغيرهم إلى صحة القياس من غير علة إذا لاح بعض الشبه ، والحق ما ذهب إليه الجمهور من أنها معتبرة لا بد منها في كل قياس .
وهي في اللغة اسم لما يتغير الشيء بحصوله ، أخذا من العلة التي هي المرض; لأن تأثيرها في الحكم كتأثير العلة في ذات المريض ، يقال : اعتل فلان ، إذا حال عن الصحة إلى السقم .
وقيل : إنها مأخوذة من العلل بعد النهل ، وهو معاودة الشرب مرة بعد مرة; لأن المجتهد في استخراجها يعاود النظر مرة بعد مرة .
وأما في الاصطلاح فاختلفوا فيها على أقوال :
( الأول ) : أنها المعرفة للحكم ، بأن جعلت علما على الحكم ، إن وجد المعنى وجد الحكم ، قاله الصيرفي ، وأبو زيد من الحنفية ، وحكاه في " التقريب " عن بعض الفقهاء ، واختاره صاحب المحصول ، وصاحب المنهاج . سليم الرازي
( الثاني ) : أنها الموجبة للحكم بذاتها ، لا بجعل الله ، وهو قول المعتزلة ، بناء على قاعدتهم في التحسين والتقبيح العقليين ، والعلة وصف ذاتي لا يتوقف على جعل جاعل .
( الثالث ) : أنها الموجبة للحكم ، على معنى أن الشارع جعلها موجبة بذاتها ، وبه قال الغزالي قال وسليم الرازي ، الصفي الهندي : وهو قريب لا بأس به .
( الرابع ) : أنها الموجبة بالعادة ، واختاره . الفخر الرازي
( الخامس ) : أنها الباعث على التشريع ، بمعنى أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملا [ ص: 606 ] على مصلحة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم .
( السادس ) : أنها التي يعلم الله صلاح المتعبدين بالحكم لأجلها ، وهو اختيار الرازي ، وابن الحاجب .
( السابع ) : أنها المعنى الذي كان الحكم على ما كان عليه لأجلها .
وللعلة أسماء تختلف باختلاف الاصطلاحات ، فيقال لها : السبب ، والأمارة ، والداعي ، والمستدعي ، والباعث ، والحامل ، والمناط ، والدليل ، والمقتضي ، والموجب ، والمؤثر .
وقد ذهب المحققون إلى أنه لا بد من دليل على صحتها; لأنها شرعية كالحكم ، فكما أنه لا بد من دليل على ( الحكم ، كذلك لا بد من دليل على ) العلة .
ومنهم من قال : إنها تحتاج إلى دليلين يعلم بأحدهما أنها علة ، وبالآخر أنها صحيحة .
وقال : من أصحابنا من قال : يعلم صحة العلة بوجود الحكم بوجودها ، وارتفاعه بارتفاعها . ابن فورك