فرع ثالث  
في  تعارض الجرح والتعديل ، وعدم إمكان الجمع بينهما   
وفيه أقوال :  
الأول : أن الجرح مقدم على التعديل ، وإن كان المعدلون أكثر من الجارحين ، وبه قال الجمهور ، كما نقله عنهم  الخطيب  والباجي  ونقل القاضي فيه الإجماع ، قال  الرازي   والآمدي   وابن الصلاح     : إنه الصحيح ; لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل ، قال  ابن دقيق العيد     : وهذا إنما يصح على قول من قال إن الجرح لا يقبل إلا مفسرا ، وقد استثنى أصحاب   الشافعي  من هذا ما إذا جرحه بمعصية ، وشهد الآخر أنه قد تاب منها ، فإنه يقدم في هذه الصورة التعديل ، لأن معه زيادة علم .  
القول الثاني : أنه يقدم التعديل على الجرح ; لأن الجارح قد يجرح بما ليس في نفس الأمر جارحا ، والمعدل إذا كان عدلا لا يعدل إلا بعد تحصيل الموجب لقبوله جرحا ، حكى هذا   الطحاوي  عن  أبي حنيفة  وأبي يوسف  ، ولا بد من تقييد هذا القول بالجرح المجمل ، إذ لو كان الجرح مفسرا لم يتم ما علل به أن الجارح قد يجرح بما ليس في نفس الأمر جارحا إلخ .  
القول الثالث : أنه يقدم الأكثر من الجارحين والمعدلين . قال في المحصول : وعدد المعدل إذا زاد قيل إنه يقدم على الجارح ، وهو ضعيف ; لأن سبب تقديم الجرح اطلاع الجارح على زيادة ، ولا ينتفي ذلك بكثرة العدد .  
القول الرابع : أنهما يتعارضان ، فلا يقدم أحدهما على الآخر إلا بمرجح ، حكى هذا القول   ابن الحاجب  ، وقد جعل القاضي في التقريب محل الخلاف فيما إذا كان عدد المعدلين أكثر ، فإن استووا قدم الجرح بالإجماع ، وكذا قال  الخطيب  في الكفاية      [ ص: 224 ]  وأبو الحسين بن القطان   وأبو الوليد الباجي  وخالفهم   أبو نصر القشيري  ، فقال : محل الخلاف فيما إذا استوى عدد المعدلين والجارحين ، قال : فإن كثر عدد المعدلين ، وقل عدد الجارحين ، فقيل : العدالة في هذه الصورة أولى . انتهى .  
والحق الحقيق بالقبول ، أن ذلك محل اجتهاد للمجتهد ، وقد قدمنا أن الراجح أنه لا بد من التفسير في الجرح والتعديل ، فإذا فسر الجارح ما جرح به ، والمعدل ما عدل به ، لم يخف على المجتهد الراجح منهما من المرجوح ، وأما على القول بقبول الجرح والتعديل المجملين من عارف ، فالجرح مقدم على التعديل ; لأن الجارح لا يمكن أن يستند في جرحه إلى ظاهر الحال ، بخلاف المعدل فقد يستند إلى ظاهر الحال ، وأيضا حديث من تعارض فيه الجرح والتعديل المجملان قد دخله الاحتمال فلا يقبل .  
				
						
						
