حدثنا ، قال : 176 \ 152 - نا أحمد ، قال : نا أحمد بن منصور ، قال : أنا عبد الرزاق ، قال : قال معمر : فأخبرني ابن شهاب ، أن عروة بن الزبير زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : عائشة أبو بكر مهاجرا نحو الحبشة حتى إذا بلغ الغماد لقيه ابن الدغنة فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي .
فقال ابن الدغنة : يا أبا بكر إن مثلك لا يخرج ، إنك تكسب المعدم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك . فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة في أشراف قريش عشية فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله ، ولا يخرج رجل يكسب المعدم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ، فلم تكره قريش قول ابن الدغنة وقالوا : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها ولا يؤذينا ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن أبناءنا ونساءنا . فقال زيد بن الدغنة : لا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ، ثم قال لأبي بكر ما قالوا له ، وما ردوا عليه . فاتخذ مسجدا بفناء داره فكان يقرأ القرآن فكان يمر عليه نساء المشركين وأبناؤهم فينظرون إليه وكان رجلا بكاء لا يملك عينه إذا قرأ القرآن . فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقالوا : إنا كنا أوينا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فأعلن بالصلاة والقراءة ، وإنا نخشى أن يفتن أبناءنا [ ص: 191 ] ونساءنا ، وقد خالف - أحسبه قال - ما كنت عقدت عليه من أن يعبد ربه في داره أن يرد جوارك .
قالت : فأتى عائشة ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عاهدت لك عليه ، فإما أن تفعل ذلك - أو : كلمة نحوها - وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني أكره أن يتحدث العرب أني خفرت في رجل عقدت له . فقال أبو بكر : قد رددت إليك جوارك .
وتهيأ أبو بكر أن يهاجر واشترى راحلتين فكان يعلفهما ورق السمر - وهو الخبط - أربعة أشهر .
قال : قال ابن شهاب عروة : قالت : فبينما نحن ذات يوم جلوس في بيت عائشة أبي بكر نحر الظهيرة إذ قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله مقبلا - أحسبه قال : وكانت ساعة لم يكن يأتينا فيها - فقال أبو بكر : والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أخرج من عندك " . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله . فقال رسول الله : فإنه قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله : نعم " . فقال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله أحد راحلتي . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 192 ] بالثمن " .
قالت : فأخذ أحدهما وجهزناهما وجعلنا لهم سفرة في جراب ، وقطعت أسماء إحدى نطاقها فربطت به فم الجراب ، فمن ثم سميت ذات النطاق . عائشة
ثم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار يقال له : ثور ، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ، فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة فلا يسمع أمرا إلا وعاه فيأتيهما بذلك ، ويرعى عليهم عامر بن فهيرة منيحة غنم فيريحها عليهم حين يذهب ساعة من العشاء ، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمض علينا يوم إلا [ ص: 190 ] يأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه طرفي النهار بكرة وعشيا ، فلما ابتلي المسلمون خرج .
آخر حديث عروة .