الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الهجن والبراذين والإسهام لها

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من قاتل أو حضر القتال على العراب من الخيل، أن سهم فارس يجب له . [ ص: 165 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن يقاتل على الهجن والبراذين، فقالت طائفة: البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان الخيل العربية; لأنها تغني غناءها في كثير من المواضع، واسم الخيل جامع لها، قال الله - جل ذكره - : ( والخيل والبغال والحمير ) ، وقال: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ، فممن قال: إن الخيل والبراذين سواء: الحسن البصري، ومكحول، وكتب عمر بن عبد العزيز في البراذين أنها من الخيل فأسهم لها، إن الله تبارك وتعالى يقول: ( والخيل والبغال والحمير ) ، وأنها من الخيل، ولعمري ما صاحب العربي بأغنى من صاحب المقرف، (فيما) كان من مسلحة أو حرس .

                                                                                                                                                                              وقال مالك في البراذين والهجن: ما أراها إلا من الخيل، إذا أجازها الوالي، وقال سفيان الثوري : البراذين والخيل سواء، وقال الشافعي : أحب الأقاويل إلي أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية; لأنها تغني غناءها في كثير من المواطن، واسم الخيل جامع لها، وقال أبو ثور في الهجين كذلك، وقال النعمان : سهم الفرس والبرذون سواء، وقال يعقوب في الهجين كذلك . [ ص: 166 ]

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل، فلا يدخل إلا شديدا، ولا يدخل حطما، ولا قحما ضعيفا، ولا ضرعا، ولا أعجف رازحا، فإن غفل فشهد رجل على واحدة من هذه، فقد قيل: لا يسهم له; لأنه ليس لواحد منها غناء الخيل التي أسهم لها، ولم نعلمه أسهم لأحد فيما مضى على مثل هذه، ولو قال قائل: أسهم للفرس كما أسهم للرجل ولم يقاتل، كانت شبهة، ولكن في الحاضر غير المقاتل العون في الرأي والدعاء، وأن الجيش قد ينصرون بأضعفهم، وأنه قد لا يقاتل ثم يقاتل، وفيهم مرضى فأعطى سهمه سنة، وليست في فرس ضرع، ولا قحم واحد مما وصفنا من هذه المعاني .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن يسهم للفرس سهمان وللبرذون سهم، هذا قول الحسن البصري، وسئل أحمد بن حنبل عن سهم البرذون؟ قال: سهم واحد، قيل: معه برذونين؟ قال: يسهم للاثنين .

                                                                                                                                                                              6154 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعته من إبراهيم بن محمد بن [المنتشر ] ، عن أبيه - أو قال: عن ابن الأقمر - قال: أغارت الخيل بالشام، فأدركت العراب في [ ص: 167 ] يومها، وأدركت الكوادن من ضحى الغد، وعلى الخيل رجل من همدان يقال له: المنذر بن أبي خمضة، فقال: لا أجعل من أدرك منهما مثل الذي لم يدرك، ففضل الخيل، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فقال: هبلت الوادعي أمه، لقد أذكرت به، أمضوها على ما قال .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن لا يسهم للبراذين كذلك، قال مكحول قال: للفرس سهمان، وللمقرف سهم، وليس للبغال والبراذين شيء، وقال الأوزاعي : مضت السنة بإسهام الخيل سهمان سوى سهم صاحبه، ويسهم ما شبه بالعراب من الهجن سهمين، وما شبه بالهجن من المقاريف سهما، ويترك البراذين .

                                                                                                                                                                              وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من غزا على بغل، أو حمار، أو بعير فله سهم راجل، وممن نحفظ عنه ذلك الحسن البصري، ومكحول، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا أعلم أحدا خالف ذلك .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية