ذكر الصلح والهدنة بين المسلمين والمشركين إلى مدة من المدد
اختلف أهل العلم في ففي خبر المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة، عن ابن لهيعة، أبي الأسود، عن أن قريشا هادنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصالحته على سنين أربع . عروة بن الزبير;
وكان يقول: وكانت الهدنة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، قال الشافعي : فأحب للإمام إذا نزلت نازلة بالمسلمين، وأرجو أن لا ينزلها الله بهم إن شاء الله، يكون النظر لهم فيها مهادنة العدو، وألا يهادنه إلا في مدة، ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية، كانت النازلة ما كانت، فإن هادنهم أكثر منها فالهدنة منتقضة; لأن الأصل فرض قتال المشركين حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية أهل الجزية . [ ص: 355 ] الشافعي
وقال : إن الأوزاعي على أن لا يدخل المسلمون بلادهم، لم نعب مصالحتهم، قد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم، المشركين يوم الحديبية، على غير خراج يؤتونه إليه . صالح المسلمون أهل الحرب على أن يؤدوا إلى المسلمين كل سنة شيئا معلوما،
وقال أصحاب الرأي: لو أن قوما من أهل الحرب، أهل حصن، أو أهل مدينة، أو أهل عسكر، أو أهل بلد من البلدان أهل الحرب سألوا المسلمين أن يوادعوهم سنين معلومة، على أن لا يدخل المسلمون بلادهم، وعلى أن لا تجري عليهم أحكام المسلمين، فإن كان ذلك خيرا للمسلمين، وخشي المسلمون إن (لم) يوادعوهم (على ذلك) ، [لم يقووا عليهم، وادعوهم على ذلك] ، فإن وادعوهم على ذلك، ثم رأى المسلمون أن بهم قوة، فعليهم أن ينبذوا إليهم، ثم يقاتلوهم .
وفيه قول ثالث: وهو أن المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين قريش ثلاث سنوات، ثم نقضوه العام الرابع للحديبية، حكى ابن [جريج] هذا القول، قال: قيل لي ذلك . [ ص: 356 ]
قال : وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة، فللإمام على النظر للمسلمين مهادنتهم، رجاء أن يسلموا، أو يعطوا الجزية، ليس له مهادنتهم على النظر على (غير) جزية أكثر من أربعة أشهر، لقول الله - عز وجل - : ( الشافعي براءة من الله ورسوله ) الآية، فلم يجز أن يستأنف مدة بعد نزول الآية، وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر، لما وصفت من فرض الله فيهم، وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بلازم له أن يهادن إلا على النظر، ويجوز له في النظر لمن رجا إسلامه، وإن ظهر على بلاد، وقد صنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لصفوان حين خرج هاربا إلى اليمن، ثم أنعم الله عليه بالإسلام، قبل أن تأتي مدته، ومدته أربعة أشهر، وإن جعل الإمام لهذا مدة أكثر من أربعة أشهر، فعليه أن ينبذ إليه بما وصفت، من أن ذلك لا يجوز، ويوفيه المدة إلى أربعة أشهر لا يزيد عليه، وليس له أن يقول: لا أفي لك بأربعة أشهر; لأن الفساد إنما هو فيما [جاوز] أربعة أشهر . [ ص: 357 ]