مسائل من هذا الباب 
كان  الشافعي  يقول : ولو أتى قوم بشاهد أن لأبيهم على فلان حقا ، أو أن فلانا قد أوصى لهم   . فمن حلف منهم مع شاهده استحق مورثه أو وصيته دون من لم يحلف ، وإن كان فيهم مغلوب وقف حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فيقوم وارثه مقامه فيحلف ويستحق ، ولا يستحق  [ ص: 61 ] أخ بيمين أخيه ، وليس الغريم ولا الموصي له في معنى الوارث في شيء ، وإن كانوا أولى بمال من عليه الدين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه ، وإذا حلف الورثة والغرماء بحق بمال الميت . ولو أقام شاهدا أنه سرق متاعا من حرز يسوى ما يقطع فيه اليد أحلف مع شاهده واستحق ولا يقطع فيه ؛ لأن الحد ليس بمال . كرجل قال : امرأتي طالق ، وعبدي حر إن كنت غصبت فلانا هذا العبد فشهد عليه بغصبه شاهد ، فيحلف ويستحق الغصب (وليس) عليه طلاق ولا عتق ؛ لأن حكم الحنث غير حكم المال . ولو أقام شاهدا أن أباه تصدق بهذه الدار عليه وعلى أخوين له صدقة محرمة ، فإذا انقرضوا فعلى أولادهم أو على المساكين ، فمن حلف منهم ثبت حقه وصار ما بقي ميراثا فإن حلفوا معا خرجت الدار من ملك صاحبها إلى من جعل له حياته ومضى (الحق) فيها لهم ، فإن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا قام مقام الوارث ، وإن لم يحلف إلا واحد فنصيبه منها وهو الثلث صدقة كما شهد به شاهده ثم  [ ص: 62 ] نصيبه على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد (إخوته) . 
قال  أبو بكر :  قدم  الشافعي  فيما يستحق باليمين مع الشاهد مثالا لا يجوز معه أن يحلف المتصدق عليه مع شاهده فيستحق الصدقة . قال  الشافعي   : وإذ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد في الأموال ، وكان في ذلك تحويل ملك مال إلى ملك غيره حتى يصير المقضي له يملك المال الذي كان في يدي المقضي عليه بوجه من الوجوه التي تملك بها الأموال . 
قال  أبو بكر :  والذي بيده المال قبل أن يحلف المدعي مع شاهده يتصرف فيه تصرف المالكين ببيع ذلك ويتصدق ويعطي ، والمستحق منفعة المال باليمين مع الشاهد لا يتصدق فيما يقبضه كتصرف المالكين ؛ لأن من تصدق عليه بصدقة محرمة ممنوع من بيع ذلك ومن هبته ، والصدقة به ، وإعطائه غيره ، وإنما يملك منفعته حياته ، فإذا مات فإن ذلك لغيره ممن جعل عليه ذلك لا يورث عنه كما يورث عنه ماله ، ولا يجوز على المثال الذي قدمه  الشافعي  في استحقاق الصدقات المحرمات باليمين مع الشاهد ، وقد شبه في كتاب الحبوس الصدقة المحرمة بالعبد يعتق ، يريد أن الصدقة المحرمة تتم بالكلام دون القبض ، كما يتم العتق بالقول دون أن يقبضه قابض ، فمن حيث منع أن يستحق العبد أن يكون حرا باليمين مع الشاهد ، يجب منع الذي ادعى  [ ص: 63 ] الصدقة أن يستحقها باليمين مع الشاهد . قال  الشافعي   : ولو أقام شاهدا على رجل في يديه عبد يسترقه أنه كان عبدا له فأعتقه ، ثم غصبه إياه بعد العتق  حلف ، وكان مولى له . 
قال  أبو بكر :  وهذا على المثال الذي قدم غير جائز أن يستحق أن يكون مولاه باليمين مع الشاهد ، لأنه ليس بمال يستحق ، ولا ملك محول يقوم الذي انتقل إليه مقام الذي نقل عنه . 
قال  أبو بكر :  الذي يعتمد عليه كثير من أصحابنا في إثباتهم القول باليمين مع الشاهد ، إنما هو خبر  أبي هريرة  وخبر  ابن عباس  ، وقد أثبت في الكتاب الذي اختصرت هذا الكتاب منه حججا احتج بها  الشافعي  وغيره من أصحابنا على من خالفهم من أهل الكوفة  ، تركت ذكرها ها هنا كراهة أن يطول الكتاب ، وكان  مالك   والشافعي  يقولان : وإذا أقام العبد شاهدا أن مولاه أعتقه  لم يحلف مع شاهده ، ولا يستحق العبد الحرية إلا بشاهدين ، وكان  مالك  يقول في الشهادة في الولاء : لا أرى أن نجوزها ولا موالي له ولا أخت له ، وأرى أن يعطى المال بالشاهد الواحد ، وإن طال ذلك واستوفى به وإن لم يجئ له ، قال : فأرى أن يحلف ويأخذ المالك ولا يجر بذلك ولاء .  [ ص: 64 ] 
قال  أبو بكر :  ولا يثبت الولاء بشاهد ويمين في قول  الشافعي  وإذا لم يثبت الولاء لم يجب المال . ولم يحلف مع الشاهد في قول  مالك   والشافعي  وغيرهما الغلام الذي لم يبلغ ، ويحلف النصراني مع الشاهد الواحد في قولهما ، وقول  أحمد بن حنبل  ، ويستحق المال وتحلف المرأة المسلمة في قولهما مع شاهدها وتأخذ المال . واختلفا في العبد يأمره السيد بأن يدفع مالا من دين عليه إلى رجل فدفعه بشاهد عدل فقال  مالك   : يحلف العبد ويبرأ السيد . وفي قول  الشافعي   : لا يحلف العبد ، ويحلف الذي أنكر ، وعلى سيد العبد أن يقضي الدين ، وكان  الشافعي  يرى أن يستحق المدعي أرش الجناية في جراح الخطأ بيمين وشاهد .  [ ص: 65 ] 
				
						
						
