ذكر القطع بعد حين من الزمان
اختلف أهل العلم في السرقة يشهد عليها بعد حين من الزمان.
فقالت طائفة: تقطع يده، وتقام جميع الحدود وإن طالت الأيام، فلا يبطل الحد وإن تقادم ذلك، وطال زمانه، لو تاب السارق.
هذا قول ، مالك بن أنس وابن القاسم صاحبه، وبه قال في السرقة والزنا وشرب الخمر، قال: أقيم عليه الحد وإن كان بعد عشرين سنة، وكذلك قال سفيان الثوري . أبو ثور
وقال أصحاب الرأي في أستقبح أن يسرق الرجل وهو شارب الخمر أو يزني، فإن تاب بعد مائة سنة فأحده، قال: وما كان من قذف أو جراحة فيها قصاص أو أرش، قال: أما هذا فإني أمضي فيه الحكم حديثا كان أو قديما، هذا من حقوق الناس، وقد روينا عن السرقة القديمة وكل شيء من الخمر والزنا والسكر: إذا تقادم ذلك لا أقيم الحد فيه، أنه قال: الشعبي وليس ذلك بثابت عنه. [ ص: 291 ] ليس على تائب قطع،
قال : أمر الله بإقامة الحدود، وقال في حد الزنا ( أبو بكر ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فغير جائز تعطيل أحكام الله والوقوف عن إقامة حدود الله، والتخلف عن القيام بفرائض الله، بل إقامة ذلك يجب في كل زمان، وذلك على ظاهر كتاب الله، فأما أن يستقبح مستقبح إقامة ما فرض الله من الحدود إذا طالت المدة بغير حجة يحتج بها فليس ذلك بجائز لأحد، بل المستقبح: قول من أزال ما أوجبه الله في كتابه إذا تقادم ذلك بغير حجة احتج بها.
ويقال لمن زعم أن ذلك حكم حد التقادم، وإذا ذكر مدة ما سئل عن الفرق بين المدة التي ذكرها والمدة التي هي أقصر منها بيوم أو بشهر، ولن يجد السبيل إلى حجة يفصل بها من ذلك. الحدود تدرأ إذا تقادم:
كان يقول: إذا سرق الرجل مرارا ثم أتي به في آخر مرة فقطع، ثم أتي به بعد في قبض تلك السرقات، فالقياس في ذلك أن يقطع، فإن كان إجماع يضع من ذلك فالإجماع أولى. أبو ثور
قال : لو أبو بكر وكذلك السرقة وشرب الخمر، وهذا على مذهب أن رجلا زنى مرارا، ثم أتي به آخرا ضرب لجميع الزنا حدا واحدا، ، وكذلك قال أصحاب الرأي. الشافعي
قال : ولو نكح امرأة نكاحا فاسدا، فوطئها مرة وجب عليه مهر مثلها، فلو لم يفرق بينهما حتى وطئها مرارا، لم يجب عليه أكثر من مهر واحد. [ ص: 292 ] أبو بكر
قال : وهذه المسألة تشبه مذهب أبو بكر . الشافعي
قال : وإذا سرق المتاع تقطع فيه يد السارق فأخذ المتاع فدفع إلى صاحبه، ثم عاد السارق فسرق ذلك المتاع بعينه قطع، وهذا قول أبو بكر وأصحاب الرأي. أبي ثور
أما في القياس: فينبغي أن تقطع، ولكن يدع القياس، ويستحسن أن لا تقطع.
قال : القياس عنده حق، فترك ما أمر الله به في كتابه من قطع يد السارق، وأقر أن ذلك القياس الذي هو عنده حق، ثم عمد يستعمل ضد الحق وخلاف كتاب الله، يقال له: أرأيت لو زنى بامرأة فحد، ثم زنى بها بعينها بعد، أو قذف رجلا فحد، ثم قذفه بعينه بعد مدة، وليس لاشتغال بقول خالف قائله ظاهر كتاب الله - تعالى - معنى. أبو بكر
وكان يقول: إذا سرق السارق ثم أخذ فرد السرقة على أهلها، ثم رفع إلى الإمام قطع، وكذلك أبو ثور صاحب ابن القاسم وحكي عن مالك، أنه قال: إذا عفا عنه ولي المتاع ثم رفعه أجنبي من الناس أنه يقطع، قال: فهذه مثله. مالك
وقال أصحاب الرأي: إذا رد السرقة على أهلها قبل يرفع إلى الإمام، ثم أتي به الإمام، وشهد عليه الشهود، لم يقطع. [ ص: 293 ]
قال : يقطع؛ لأن الحد أيضا يجب بإخراج المتاع من الحرز، فإذا وجب لم يزل ذلك بدفع السارق ما وجب عليه أن يدفعه إلى صاحبه، ولا أعلم خلافا في أن السارق إذا أخذ ومعه المتاع أن المتاع يدفع إلى صاحبه، ويقطع، وهذا والأول سواء. أبو بكر
قال : وقد اختلف أهل العلم فيمن أبو بكر أصاب حدا ثم تاب قبل أن يقام عليه.
فأسقطت طائفة عنه الحد، وممن حكي عنه أنه أسقط عنه الحد: ، قال: ذلك قياسا على المحارب، وأحسب أن المسألة مختلف عنه فيها. الشافعي
وفيه قول ثان: وهو أن إقامة الحد واجب على كل من أصاب حدا، وذلك أن الله أمر بجلد الزاني والقاذف وقطع يد السارق؛ فذلك واجب لا يزيله إلا كتاب أو سنة أو إجماع، ولا يجوز أن يترك ظاهر كتاب الله لقياس يحدثه قائل على أصل آخر، ولو كان لله في أمر القاذف والسارق والزاني مراد لبين ذلك كما بين ذلك في المحارب.
ومن الدليل على صحة هذا القول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرأة الجهينية: المدينة وسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها" "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل فعلى هذا دليل على أنها لم تأت إلا تائبة، ولم تسقط عنها التوبة الحد؛ إذ لو أسقط عنها ذلك ما رجمت. [ ص: 294 ]