2193 - أخبرنا ، أنا محمد بن الحسن أبو العباس الطحان ، أنا أبو أحمد محمد بن قريش ، أنا ، أنا علي بن عبد العزيز ، أنا أبو عبيد صدقة ، أنا محمد بن يحيى بن قيس المأربي ، عن أبيه ، عن ثمامة بن شراحيل ، عن سمي بن قيس ، [ ص: 278 ] عن شمير ، أبيض بن حمال المأربي ، أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستقطعه الملح الذي بمأرب، فأقطعه إياه ، فلما ولى، قال رجل: يا رسول الله أتدري ماذا أقطعت؟ إنما أقطعت له الماء العد.
قال: "فرجعه منه "، قال: وسأله ماذا يحمى من الأراك؟ قال: "ما لم تنله أخفاف الإبل " عن .
فبين بهذا أن المعدن الظاهر لا يجوز إقطاعه، كالماء العد، وهو الدائم الذي لا ينقطع، وقوله: استقطع، أي: سأله أن يقطعه.
وقوله: " ما لم تنله أخفاف الإبل" أراد به أنه إنما يحمي من الأراك ما بعد عن حضرة العمارة، ولا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي.
وفيه دليل على أن الكلأ والرعي في غير الملك لا يمنع من السارحة، وليس لأحد أن يستأثر به دون سائر الناس، فأما ما كان في ملك [ ص: 279 ] الرجل من الكلأ والأراك فمملوك له، وله منعه عن غيره كسائر الأشجار.
وفي الحديث دليل على أن الحاكم إذا حكم بشيء، ثم تبين له أن الحق في خلافه، عليه رده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجع عن إقطاعه بعد ما أخبر أنه كالماء العد، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: والمراد منه الكلأ الذي ينبت في الموات، وأما النار، قيل: أراد به الحجارة التي توري النار لا يمنع أحد أن يأخذ منها حجرا إذا كان في موات، وأما النار التي أوقدها الرجل، فله منع الغير منها، وقيل: له أن يمنع من يأخذ منها جذوة، ولكن لا يمنع من يستصبح منها مصباحا، أو يدني منها ضغثا، لأنه لا ينقص من عينها شيئا. " المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار "
والنوع الثاني من المعادن: ما يكون نفعه باطنا، لا ينال إلا بمؤنة، مثل معادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، وسائر الجواهر، يجوز للسلطان إقطاع مثل هذه المعادن، والدليل عليه ما روي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه ، عن جده ، بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم وكتب له كتابا " " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع [ ص: 280 ] ، وروي مثله عن ، عن عكرمة . ابن عباس
ومعادن القبلية: من ناحية الفرع.
وقوله: " جلسيها " يريد: نجديها، يقال لنجد: جلس.
قال : وكل مرتفع جلس، والغور: ما انخفض من الأرض. الأصمعي
وهل تملك مثل هذه المعادن بالإحياء؟ للشافعي فيه قولان، أحدهما تملك، كالأرض وكما يجوز إقطاعها، فعلى هذا إذا وصل إلى النيل، ملك، كما لو حفر بئرا في موات للملك لا يملك حتى يصل إلى الماء، والقول الثاني: لا تملك بالإحياء بخلاف الأرض، لأنها إذا أحييت مرة ، ثبت إحياؤها، والمعدن يحتاج إلى أن يعمل فيه كل يوم حتى يرتفق منه، وقد يجوز إقطاع ما لا يملك بالإحياء، كمقاعد الأسواق، فعلى هذا إذا ابتدأ رجل العمل في معدن منها كان له منع الغير، وإن كان يسع الكل فإذا عطله لم يكن له منع الغير عنه، كما لو حفر بئرا في موات للارتفاق كان أولى بها من غيره، أو نزل منزلا بالبادية كان أولى به، فإذا تركه [ ص: 281 ] لم يكن له منع الغير عنه، وقد يكون نوع من الإقطاع إرفاقا من غير تمليك، كالمقاعد في الأسواق يرتفق به الرجل، فيكون أولى به، وما حواليه قدر ما يضع متاعه للبيع، ويقف فيه المشتري، ويجوز للسلطان إقطاعه من غير أن يكون في ملك.
وروي عن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عبد الله بن مغفل " من احتفر بئرا، فليس لأحد أن يحفر حوله أربعين ذراعا عطنا لماشيته " .
قال الإمام: وكذلك المنازل في الأسفار، والرباط الموقوف على المارة، إذا نزل رجل في موضع، أو وضع فيه متاعه، كان أولى به من غيره، فإن فارقه فراق ترك لم يمنع غيره من نزوله.
روي عن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عائشة منى مناخ من سبق " " .
وعن أسمر بن مضرس، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فقال: " من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له " . [ ص: 282 ] .
وروي عن ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة : أسماء بنت أبي بكر الزبير نخلا " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع .
قال : النخل مال ظاهر العين، حاضر النفع، كالمعادن الظاهرة فيشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك من الخمس الذي هو سهمه، والله أعلم. الخطابي
وروي: " بالمدينة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع المهاجرين الدور .
وروي: ، فورثته امرأته دارا عبد الله بن مسعود بالمدينة " " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يورث دور المهاجرين النساء، فمات .
وتأولوا هذا الإقطاع على وجهين، أحدهما: أنه أقطعهم العرصة ليبنوا فيها، فعلى هذا الوجه صارت الدور ملكا لهم بالبناء، وتوريثه الدور نساء المهاجرين خصوصا، يشبه أن يكون إنما خصهن بالدور من بين سائر الورثة، لأنهن غرائب بالمدينة لا عشيرة لهن، فجعل نصيبهن من الميراث في الدور لما رأى في ذلك من المصلحة.
والتأويل الثاني: أن إقطاع المهاجرين الدور كان على سبيل العارية، وإليه ذهب المروزي، فعلى هذا الوجه لا يجري فيها الإرث، لأن الإرث إنما يجري فيما يكون مملوكا للموروث منه، غير أنها تركت [ ص: 283 ] في أيدي أزواجهم بعدهم على سبيل الإرفاق بالسكنى، كما كانت دور النبي صلى الله عليه وسلم وحجره في أيدي نسائه بعده لا على سبيل الميراث، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: أبو إسحاق صدقة " نحن لا نورث، ما تركنا .
ويحكى عن ، أنه قال: كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات، لأنهن لا ينكحن، وللمعتدة السكنى، فجعل لهن سكنى البيوت ما عشن، ولا يملكن رقابها. سفيان بن عيينة
قد ذكر هذه الجملة في كتابه. أبو سليمان الخطابي
وروي عن ، عن نافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع ابن عمر الزبير حضر فرسه، فأجرى فرسه حتى قام، ثم رمى بسوطه، فقال: " أعطوه من حيث بلغ السوط " .