باب ميراث الإخوة.
قال الله سبحانه وتعالى: ( قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ) الآية.
2219 - أخبرنا ، أنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، نا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا أبو الوليد ، شعبة ، سمعت محمد بن المنكدر جابرا ، يقول: " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ، وصب علي من وضوئه، فعقلت، فقلت: يا رسول الله: لمن الميراث، إنما يرثني كلالة، فنزلت آية الفرائض " عن .
هذا حديث متفق على صحته، أخرجه ، عن مسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن وهب بن جرير . [ ص: 337 ] . شعبة
وقال : نا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد الله بن عثمان ، أنا عبد الله ، بإسناده مثل معناه، وقال: " إنما لي أخوات، فنزلت آية الفرائض. شعبة
قال الإمام: الحديث يدل على طهارة الماء المستعمل، وأن الكلالة اسم للورثة.
قال الإمام: الإخوة للأم، للواحد منهم السدس، وللاثنين فصاعدا الثلث، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء، لقوله سبحانه وتعالى: ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ) الآية.
وكان سعد يقرأ هذا الآية: ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت لأم ) .
وميراث الإخوة للأب والأم، أو للأب بمنزلة ميراث الأولاد عند عدم ولد الأب والأم إلا في مسألة المشركة، وهي: زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة لأب وأم، فللزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة للأم الثلث ويشاركهم الإخوة للأب والأم بالإخوة للأم، فيقسم الثلث بينهم على عدد رؤوسهم، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء، وإن كان مكان الإخوة للأب والأم إخوة للأب، فلا شيء لهم، وهو قول عمر ، وعثمان ، ، [ ص: 338 ] وابن مسعود وزيد ، وبه قال ، شريح ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، وإليه ذهب والنخعي مالك ، قال والشافعي عمر : لم يزدهم الأب إلا قربا، وذهب جماعة إلى أنه لا شيء للإخوة للأب والأم، لأنهم عصبة لم يبق لهم شيء كالإخوة للأب، وهو قول علي ، ، وابن عباس ، وأبي موسى ، وبه قال وأبي بن كعب ، الشعبي ، والثوري وأصحاب الرأي ، ويروى عن ، ابن مسعود وزيد هذا، والأشهر منهما التشريك، واتفقوا على أن ولد الأب والأم، أو ولد الأب، إذا كانوا إناثا يعطى إليهن فرضهن وتعال المسألة.
قال الإمام رحمه الله: وقد روينا عن جابر ، أنه قال: "إنما يرثني كلالة" ، واختلفوا في "الكلالة" فذهب أكثر الصحابة إلى أن الكلالة من لا ولد له ولا والد، روي عن ، أنه قال: سئل الشعبي عن الكلالة، فقال: إني سأقول فيها برأيي، فإن كان صوابا، فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان: أراه ما خلا الوالد والولد، فلما استخلف أبو بكر عمر قال: إني لأستحيي الله أن أرد شيئا قاله . [ ص: 339 ] . أبو بكر
وهي اسم للميت والورثة جميعا، سمي بها الميت، لأنه مات عن ذهاب طرفيه، فكل عمود نسبه، وسمي بها الورثة، لأنهم يتكللون الميت من جوانبه، وليس في عمود نسبه أحد كالإكليل يحيط الرأس من جوانبه، ووسط الرأس عنه خال، فهي في حديث جابر اسم للورثة، وفي قوله: ( قل الله يفتيكم في الكلالة ) اسم للميت، وأراد جابر بقوله: "إنما يرثني كلالة"، أي: يرثني ورثة ليسوا بولد ولا والد، وكانت له أخوات.
واختلف القول فيها عن عمر ، ، فروي عنهما مثل قول سائر الصحابة، وروي عنهما أن الكلالة من لا ولد له، وهو آخر القولين من وابن عباس عمر ، رضي الله عنه، وروي عن عمر ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فقال: ، وأراد بذلك: أن الله سبحانه وتعالى أنزل في الكلالة: آيتين إحداهما في الشتاء، وهي التي في أول النساء، والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها، وفيها من البيان ما ليس في الشتاء، فلذلك أحاله عليها. "تكفيك آية الصيف"
ومن ذهب إلى أن الكلالة اسم لمن لا ولد له.
تمسك بظاهر قوله: ( إن امرؤ هلك ليس له ولد ) وبيانه عند العامة مأخوذ من حديث ، وذلك [ ص: 340 ] أن الآية نزلت فيه، ولم يكن له يوم نزولها أب ولا ابن، لأن أباه جابر بن عبد الله بن حرام قتل يوم عبد الله أحد ، وآية الكلالة نزلت في آخر عهد النبي عليه السلام، روي عن ، أنه قال: آخر آية نزلت: ( البراء بن عازب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) فصار شأن جابر بيانا لمراد الآية، لا لنزولها فيه.
قال : وفيه وجه آخر وهو أشبه بمعنى الحديث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل عن الكلالة: "تجزيك آية الصيف" فوقعت الإحالة منه على الآية في بيان معنى "الكلالة" فوجب أن يكون ذلك مستنبطا من نفس الآية دون غيرها، ووجه ذلك وتحريره أن الوالد والولد اسمان مشتقان من الولادة، فكل من انتظمه اسم الولادة من أعلى وأسفل يحتمل أن يدعى ولدا، فالوالد يسمى ولدا، لأنه قد ولد، والمولود يسمى ولدا، لأنه قد ولد، كالذرية اسم مشتق من ذرأ الله الخلق، والولد ذرية، لأنهم ذرئوا، أي: خلقوا، والأب ذرية، لأن الولد ذرئ منه، يدل على صحة ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( أبو سليمان الخطابي وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ) يريد، والله أعلم، نوحا ومن معه، فجعل الآباء ذرية كالأولاد، لصدور الاسمين معا عن الذرء، فعلى هذا قد يصح أن المراد بقوله عز وجل: ( إن امرؤ هلك ليس له ولد ) أي: ولادة في الطرفين من أعلى وأسفل، والله أعلم. [ ص: 341 ] .