935 - أخبرنا أنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أحمد بن عبد الله [ ص: 50 ] النعيمي، أنا نا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا عبد السلام بن مطهر، عن عمر بن علي، معن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". أبي هريرة، عن
هذا حديث صحيح.
قوله: "سددوا" أي: اقصدوا السداد، وهو الصواب.
وقوله سبحانه وتعالى ( وقولوا قولا سديدا ) أي: قصدا مستقيما لا ميل فيه.
وقوله: "قاربوا" أي لا تعجلوا، وقيل: المقاربة: القصد في الأمور الذي لا غلو فيه ولا تقصير. [ ص: 51 ] .
ففي الحديث الأمر بالاقتصاد في العبادة، وترك الحمل على النفس بما يؤودها، فإن الله سبحانه وتعالى لم يتعبد خلقه، بأن ينصبوا آناء الليل والنهار، فلا يستريحوا، بل أوجب عليهم وظائف في وقت دون وقت، فليخلطوا طرف الليل بطرف النهار، وليجموا فيما بينهما أنفسهم.
وفي بعض المراسيل، عن يرفعه: محمد بن المنكدر، "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".
ويروى هذا عن موقوفا عليه، وزاد "واعمل عمل امرئ يظن أن لا يموت إلا هرما، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدا". عبد الله بن عمرو بن العاص،
قوله: "فأوغل فيه برفق" فالإيغال: السير الشديد، والإمعان فيه، والوغول: الدخول في الشيء، وإن لم يبعد فيه، ويقال للطفيلي: واغل.
والمنبت: الذي انقطع في سفره، وعطبت راحلته، فشبه المجتهد [ ص: 52 ] في العبادة حتى يحسر بالذي يتعب نفسه في السير بلا فتور حتى تعطب دابته، فيبقى منبتا منقطعا، لم يقض سفره، وقد أعطب ظهره.
وقد قال مطرف لابنه عبد الله: والحسنة بين السيئتين، وخير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة. العلم أفضل من العمل،
فقوله: "والحسنة بين السيئتين" يريد أن الغلو في العمل سيئة، والتقصير سيئة، والحسنة القصد، قال الله سبحانه وتعالى: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ) وقال الله عز وجل: ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) .
والحقحقة: أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه حتى يبدع براكبها.
قال الحسن: إن دين الله وضع فوق التقصير ودون الغلو.
وقال إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. [ ص: 53 ] . عبد الله بن مسعود: