[ ص: 242 ] المسألة السابعة
[1]
اختلف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=21133_20982اللفظ الواحد من متكلم واحد في وقت واحد إذا كان مشتركا [2] بين معنيين كالقرء للطهر والحيض أو حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر كالنكاح المطلق على العقد والوطء ، ولم تكن الفائدة فيهما واحدة ، هل يجوز أن يراد به كلا المعنيين معا أو لا ؟ فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والقاضي أبو بكر وجماعة من أصحابنا وجماعة من مشايخ
المعتزلة كالجبائي nindex.php?page=showalam&ids=14959والقاضي عبد الجبار وغيرهم إلى جوازه بشرط أن لا يمتنع الجمع بينهما ، وذلك كاستعمال صيغة ( افعل ) في الأمر بالشيء والتهديد عليه ، غير أن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه مهما تجرد ذلك اللفظ عن القرينة الصارفة له إلى أحد معنييه وجب حمله على المعنيين ، ولا كذلك عند من جوز ذلك من مشايخ
المعتزلة .
وذهب جماعة من أصحابنا وجماعة من
المعتزلة كأبي هاشم وأبي عبد الله البصري وغيرهما إلى المنع من جواز ذلك مطلقا .
وفصل
أبو الحسين البصري nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي فقالا : يجوز ذلك بالنظر إلى الإرادة دون اللغة .
وعلى هذا النحو من الخلاف في اللفظ المفرد اختلفوا في جمعه كالأقراء التي هي جمع قرء هل يجوز حمله على الحيض والأطهار معا ؟ وسواء كان إثباتا كما لو قيل للمرأة : اعتدي بالأقراء ، أو نفيا كما لو قيل لها : لا تعتدي بالأقراء .
وذلك لأن جمع الاسم يفيد جمع ما اقتضاه الاسم ، فإن كان الاسم متناولا لمعنييه كان الجمع كذلك ، وإن كان لا يفيد سوى أحد المعنيين فكذلك أيضا جمعه .
والحجاج فيه متفرع على الحجاج في المفرد .
وربما قال بالتعميم في طرف النفي كان فردا أو جمعا بعض من قال بنفيه في طرف الإثبات ، ولهذا قال
أبو الحسين البصري : وفيه بعض الاشتباه إذ يجوز أن يقال : بنفي الاعتداد بالحيض والطهر معا .
والحق أن النفي لما اقتضاه الإثبات ، فإن كان مقتضى الإثبات الجمع فكذلك النفي ، وإن كان مقتضاه أحد الأمرين فكذلك النفي .
وإذ أتينا على بيان اختلاف المذاهب بالتفصيل فلنعد إلى طرف الحجاج .
وقد احتج القائلون بجواز التعميم .
[ ص: 243 ] أما في إمكان إرادة الأمرين باللفظ الواحد فهو أنا لو قدرنا عدم التكلم بلفظ القرء لم يمنع الجمع بين إرادة الاعتداد بالحيض وإرادة الاعتداد بالطهر ، فوجود اللفظ لا يحيل ما كان جائزا ، وكذلك الكلام في إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز .
وأما بالنظر عند الوقوع لغة ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إن الله وملائكته يصلون على النبي ) ، والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الدعاء والاستغفار وهما معنيان مختلفان ، وقد أريدا بلفظ واحد .
وأيضا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=18ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر ) إلى آخر الآية ، وسجود الناس غير سجود غير الناس ، وقد أريدا بلفظ واحد .
واحتجوا أيضا بأن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه قال : قول القائل لغيره : الويل لك خبر ودعاء ، فقد جعله مع اتحاده مفيدا لكلا الأمرين .
اعترض النافون ، أما على إرادة إنكار الجمع
[3] بين المسميين فهو أن المتكلم إذا استعمل الكلمة الواحدة في حقيقتها ومجازها معا كان مريدا لاستعمالها فيما وضعت له ، وهو محال .
وأيضا فإن المستعمل للكلمة فيما هي مجاز فيه لا بد وأن يضمر فيها كاف التشبيه ، والمستعمل لها في حقيقتها لا بد وأن لا يضمر فيها ذلك ، والجمع بين الإضمار وعدمه في الكلمة الواحدة محال .
هذا ما يخص الاسم المجازي وأما ما يخص الاسم المشترك فهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=20982اللفظ المشترك موضوع في اللغة لأحد أمرين مختلفين على سبيل البدل ، ولا يلزم من ذلك أن يكون موضوعا لهما على الجمع ، إذ المغايرة بين المجموع وبين كل واحد من أفراده واقعة بالضرورة ، والمساواة بينهما في جميع الأحكام غير لازمة ، وعلى هذا فلا يلزم من كون كل واحد من المفردين مسمى باسم تسمية المجموع به وعند ذلك فالواضع إذا وضع لفظا لأحد مفهومين على سبيل البدل ، فإن لم يكن قد وضعه لمجموعهما فاستعماله في المجموع استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، وهو ممتنع .
وإن كان قد وضعه له فإما أن يستعمل اللفظ لإفادة المجموع وحده ، أو لإفادته مع إفادة الإفراد .
فإن كان الأول لم يكن اللفظ مفيدا لأحد مفهوماته ، لأن الواضع إن كان
[ ص: 244 ] قد وضعه بإزاء أمور ثلاثة على البدل ، واحدها ذلك المجموع فاستعمال اللفظ فيه وحده لا يكون استعمالا للفظ في جميع مفهوماته .
وإن استعمله في إفادة المجموع والإفراد على الجمع فهو محال لأن إفادة الجموع معناها أن الاكتفاء لا يحصل إلا به ، وإفادته للمفرد معناها أنه يحصل الاكتفاء بكل واحد منها ، وهو جمع بين النقيضين ، وهو محال فلا يكون اللفظ المشترك من حيث هو مشترك في إفادة مفهوماته جملة .
وأما على دليل الوقوع لغة ، أما النص الأول فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي فيه : إن لفظ الصلاة المطلق على صلاة الله تعالى والملائكة إنما هو باعتبار اشتراكهما في معنى العناية بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إظهارا لشرفه وحرمته ، فهو لفظ متواطئ لا مشترك
[4] ، وكذلك لفظ السجود في الآية الأخرى ، فإن مسماه إنما هو القدر المشترك من معنى الخضوع لله تعالى ، والدخول تحت تسخيره وإرادته .
وقال
أبو هاشم : وإن سلم اختلاف المسمى وإرادتهما بلفظ واحد فلا يبعد أن يقال : إن ذلك من قبيل ما نقلته الشريعة من الأسماء اللغوية إلى غير معانيها في اللغة .
فأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه فإنه وإن دل على أن العرب وضعت قوله : الويل لك للخبر والدعاء معا فليس فيه ما يدل على أن كل الألفاظ المشتركة ، أو الألفاظ التي هي حقيقة في شيء ومجاز في شيء موضوعة للجمع .
كيف وأن قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه لا يدل على كون ذلك القول مستعملا في الخبر والدعاء معا ، بل جاز أن يكون موضوعا للخبر ، وهو مستعمل في الدعاء مجازا لا معا .
أجاب المثبتون عن الاعتراض الأول على الإمكان بمنع أن المستعمل للفظة في حقيقتها ومجازها مريد لاستعمالها فيما وضعت له ، ومريد للعدول بها عما وضعت له ، بل هو مريد لما وضعت له حقيقة ولما لم توضع له حقيقة .
وعن الثاني أن إضمار التشبيه وعدمه في الكلمة الواحدة إنما يمتنع بالنسبة إلى شيء واحد ، وأما بالنسبة إلى شيئين فلا ، كيف وأن ذلك لا يطرد في كل مجاز ؟
[5] [ ص: 245 ] وعن الثالث أنه مبني على أن الاسم المشترك موضوع لأحد مسمياته على سبيل البدل حقيقة ، وليس كذلك عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والقاضي أبي بكر ، بل هو حقيقة في المجموع كسائر الألفاظ العامة ، ولهذا فإنه إذا تجرد عن القرينة عندهما وجب حمله على الجميع ، وإنما فارق باقي الألفاظ العامة من جهة تناوله لأشياء لا تشترك في معنى واحد يصلح أن يكون مدلولا للفظ ، بخلاف باقي العمومات فنسبة
[6] اللفظ المشترك في دلالته إلى جملة مدلولاتها ، وإلى أفرادها كنسبة غيره من الألفاظ العامة إلى مدلولاتها جملة وأفرادا .
وعلى هذا فقد بطل كل ما قيل من التقسيم المبني على أن اللفظ المشترك موضوع لأحد مسمياته على طريق البدل حقيقة ، ضرورة كونه مبنيا عليه ، وإنما هو لازم على مشايخ
المعتزلة المعتقدين كون اللفظ المشترك موضوعا لأحد مسمياته حقيقة على طريق البدل .
فإن قيل : وإن كان
nindex.php?page=treesubj&link=20982اللفظ المشترك حقيقة في الجمع فلا خفاء بجواز استعماله في آحاد مدلولاته عند ظهور القرينة عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والقاضي أبي بكر ، وسواء كان ذلك حقيقة أو مجازا .
وعند ذلك فاستعماله في المجموع وإن كان على وجه لا يدخل فيه الأفراد ، فإن كان اللفظ حقيقة في الإفراد فاللفظ يكون مشتركا ولم يدخل فيه جميع مسمياته ، وإن كان مجازا فلم تدخل فيه الحقيقة والمجاز معا ، وهو خلاف مذهبكم ، وإن كان على وجه يدخل فيه الإفراد فهو محال لأن إفادته للمجموع معناها أن الاكتفاء لا يحصل إلا به وإفادته للإفراد معناها أنه يحصل الاكتفاء بكل واحد منها ، وهو جمع بين النقيضين كما سبق .
قلنا : استعماله في الأفراد متى يكون معناه الاكتفاء بها إذا كانت داخلة في المجموع أو إذا لم تكن داخلة فيه ؟ والأول ممنوع ، بل معنى استعماله فيها أنه لا بد منها .
والثاني مسلم ، ولا يلزم منه التناقض على كلا التقديرين ، أما على تقدير العمل باللفظ في آحاد أفراده مع الاقتصار عند ظهور القرينة فلأن الجملة غير مشترطة في
[ ص: 246 ] الاكتفاء ، وأما عند كون الأفراد داخلة في مسمى الجملة فلأنها لا بد منها لا بمعنى أنه يكتفي بها .
فإن قيل : وإذا كانت الأفراد داخلة في مسمى الجملة فليس للفظ عليها دلالة بجهة الحقيقة ولا بجهة التجوز ، بل بطريق الملازمة الذهنية ، وليست دلالة لفظية ليلزم ما قيل .
قلنا : لا خفاء بدخول الأفراد في الجملة فتكون مفهومة من اللفظ الدال على الجملة ، فله عليها دلالة وهي إما أن تكون بجهة الحقيقة ، أو التجوز لما سبق .
وعن الاعتراض الأول على النصوص أنه لو كان مسمى الصلاة هو القدر المشترك من الاعتناء ، ومسمى السجود القدر المشترك من الخضوع والانقياد لاطرد الاسم باطرادهما ، وليس كذلك ، فإنه لا يسمى كل اعتناء بأمر صلاة ، ولا كل خضوع وانقياد سجودا .
وإن كان المسمى باسم الصلاة اعتناء خاصا ، وبالسجود خضوعا خاصا فلا بد من تصويره وبيان الاشتراك فيه .
فإن قيل : يجب اعتقاده نفيا للتجوز والاشتراك عن اللفظ ، فهو مبني
[7] على أن التجوز والاشتراك على خلاف الأصل ، وإنما يكون كذلك أن لو تعذر الجمع ، وهو محل النزاع .
وعن اعتراض
أبي هاشم أنه مبني على تحقيق الأسماء الشرعية ونقلها من موضوعاتها في اللغة ، وهو باطل على ما سبق من مذهب
القاضي أبي بكر [8] .
وعن الاعتراض على قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : أما الأول فلأنه إنما يلزم أن لو كان الاستدلال بقول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على أن كل لفظ مشترك أو مجاز يجب أن يكون موضوعا لمجموع مسمياته ، وليس كذلك ، بل إنما قصد به بيان الوقوع لا غير .
وأما الثاني فلأنه لا انفكاك في قوله : الويل لك عن الخبر والدعاء ، واللفظ واحد ، ولا معنى لاستعماله فيهما سوى فهمهما منه عند إطلاقه .
[ ص: 242 ] الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ
[1]
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21133_20982اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا [2] بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ كَالْقُرْءِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ أَوْ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ كَالنِّكَاحِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ ، وَلَمْ تَكُنِ الْفَائِدَةُ فِيهِمَا وَاحِدَةً ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا أَوْ لَا ؟ فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ
الْمُعْتَزِلَةِ كَالْجُبَّائِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14959وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى جَوَازِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ، وَذَلِكَ كَاسْتِعْمَالِ صِيغَةِ ( افْعَلْ ) فِي الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَيْهِ ، غَيْرَ أَنَّ مَذْهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَهْمَا تَجَرَّدَ ذَلِكَ اللَّفْظُ عَنِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهُ إِلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ ، وَلَا كَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ مِنْ مَشَايِخِ
الْمُعْتَزِلَةِ .
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا إِلَى الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ مُطْلَقًا .
وَفَصَّلَ
أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14847وَالْغَزَالِيُّ فَقَالَا : يَجُوزُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى الْإِرَادَةِ دُونَ اللُّغَةِ .
وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ مِنَ الْخِلَافِ فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِهِ كَالْأَقْرَاءِ الَّتِي هِيَ جَمْعُ قُرْءٍ هَلْ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَيْضِ وَالْأَطْهَارِ مَعًا ؟ وَسَوَاءٌ كَانَ إِثْبَاتًا كَمَا لَوْ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ : اعْتَدِّي بِالْأَقْرَاءِ ، أَوْ نَفْيًا كَمَا لَوْ قِيلَ لَهَا : لَا تَعْتَدِّي بِالْأَقْرَاءِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمْعَ الِاسْمِ يُفِيدُ جَمْعَ مَا اقْتَضَاهُ الِاسْمُ ، فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ مُتَنَاوِلًا لِمَعْنَيَيْهِ كَانَ الْجَمْعُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ سِوَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا جَمْعُهُ .
وَالْحِجَاجُ فِيهِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْحِجَاجِ فِي الْمُفْرَدِ .
وَرُبَّمَا قَالَ بِالتَّعْمِيمِ فِي طَرَفِ النَّفْيِ كَانَ فَرْدًا أَوْ جَمْعًا بَعْضُ مَنْ قَالَ بِنَفْيِهِ فِي طَرَفِ الْإِثْبَاتِ ، وَلِهَذَا قَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ : وَفِيهِ بَعْضُ الِاشْتِبَاهِ إِذْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : بِنَفْيِ الِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مَعًا .
وَالْحَقُّ أَنَّ النَّفْيَ لِمَا اقْتَضَاهُ الْإِثْبَاتُ ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْإِثْبَاتِ الْجَمْعَ فَكَذَلِكَ النَّفْيُ ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَاهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَكَذَلِكَ النَّفْيُ .
وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى بَيَانِ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ بِالتَّفْصِيلِ فَلْنَعُدْ إِلَى طَرَفِ الْحِجَاجِ .
وَقَدِ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّعْمِيمِ .
[ ص: 243 ] أَمَّا فِي إِمْكَانِ إِرَادَةِ الْأَمْرَيْنِ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ فَهُوَ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا عَدَمَ التَّكَلُّمِ بِلَفْظِ الْقُرْءِ لَمْ يُمْنَعِ الْجَمْعُ بَيْنَ إِرَادَةِ الِاعْتِدَادِ بِالْحَيْضِ وَإِرَادَةِ الِاعْتِدَادِ بِالطُّهْرِ ، فَوُجُودُ اللَّفْظِ لَا يُحِيلُ مَا كَانَ جَائِزًا ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي إِرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ .
وَأَمَّا بِالنَّظَرِ عِنْدَ الْوُقُوعِ لُغَةً ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) ، وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ ، وَقَدْ أُرِيدَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ .
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=18أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، وَسُجُودُ النَّاسِ غَيْرُ سُجُودِ غَيْرِ النَّاسِ ، وَقَدْ أُرِيدَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ قَالَ : قَوْلُ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ : الْوَيْلُ لَكَ خَبَرٌ وَدُعَاءٌ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مَعَ اتِّحَادِهِ مُفِيدًا لِكِلَا الْأَمْرَيْنِ .
اعْتَرَضَ النَّافُونَ ، أَمَّا عَلَى إِرَادَةِ إِنْكَارِ الْجَمْعِ
[3] بَيْنَ الْمُسَمَّيَيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إِذَا اسْتَعْمَلَ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا مَعًا كَانَ مُرِيدًا لِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ ، وَهُوَ مُحَالٌ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لِلْكَلِمَةِ فِيمَا هِيَ مَجَازٌ فِيهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُضْمِرَ فِيهَا كَافَ التَّشْبِيهِ ، وَالْمُسْتَعْمِلُ لَهَا فِي حَقِيقَتِهَا لَا بُدَّ وَأَنْ لَا يُضْمِرَ فِيهَا ذَلِكَ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْإِضْمَارِ وَعَدَمِهِ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مُحَالٌ .
هَذَا مَا يَخُصُّ الِاسْمَ الْمَجَازِيَّ وَأَمَّا مَا يَخُصُّ الِاسْمَ الْمُشْتَرَكَ فَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20982اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لَهُمَا عَلَى الْجَمْعِ ، إِذِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ وَاقِعَةٌ بِالضَّرُورَةِ ، وَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ غَيْرُ لَازِمَةٍ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْرَدَيْنِ مُسَمًّى بِاسْمِ تَسْمِيَةِ الْمَجْمُوعِ بِهِ وَعِنْدَ ذَلِكَ فَالْوَاضِعُ إِذَا وَضَعَ لَفْظًا لِأَحَدِ مَفْهُومَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ وَضَعَهُ لِمَجْمُوعِهِمَا فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ وَضَعَهُ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ لِإِفَادَةِ الْمَجْمُوعِ وَحْدَهُ ، أَوْ لِإِفَادَتِهِ مَعَ إِفَادَةِ الْإِفْرَادِ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ مُفِيدًا لِأَحَدِ مَفْهُومَاتِهِ ، لِأَنَّ الْوَاضِعَ إِنْ كَانَ
[ ص: 244 ] قَدْ وَضَعَهُ بِإِزَاءِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى الْبَدَلِ ، وَاحِدُهَا ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ فَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي جَمِيعِ مَفْهُومَاتِهِ .
وَإِنِ اسْتَعْمَلَهُ فِي إِفَادَةِ الْمَجْمُوعِ وَالْإِفْرَادِ عَلَى الْجَمْعِ فَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ إِفَادَةَ الْجُمُوعِ مَعْنَاهَا أَنَّ الِاكْتِفَاءَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ ، وَإِفَادَتُهُ لِلْمُفْرَدِ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يَحْصُلُ الِاكْتِفَاءُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ، وَهُوَ مُحَالٌ فَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَرَكٌ فِي إِفَادَةِ مَفْهُومَاتِهِ جُمْلَةً .
وَأَمَّا عَلَى دَلِيلِ الْوُقُوعِ لُغَةً ، أَمَّا النَّصُّ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِيهِ : إِنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَ عَلَى صَلَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَلَائِكَةِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنَى الْعِنَايَةِ بِأَمْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَحُرْمَتِهِ ، فَهُوَ لَفْظٌ مُتَوَاطِئٌ لَا مُشْتَرَكٌ
[4] ، وَكَذَلِكَ لَفَظُ السُّجُودِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ، فَإِنَّ مُسَمَّاهُ إِنَّمَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنْ مَعْنَى الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالدُّخُولِ تَحْتَ تَسْخِيرِهِ وَإِرَادَتِهِ .
وَقَالَ
أَبُو هَاشِمٍ : وَإِنَّ سُلِّمَ اخْتِلَافُ الْمُسَمَّى وَإِرَادَتُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ مَا نَقَلَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ إِلَى غَيْرِ مَعَانِيهَا فِي اللُّغَةِ .
فَأَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ قَوْلَهُ : الْوَيْلُ لَكَ لِلْخَبَرِ وَالدُّعَاءِ مَعًا فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ ، أَوِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ فِي شَيْءٍ وَمَجَازٌ فِي شَيْءٍ مَوْضُوعَةٌ لِلْجَمْعِ .
كَيْفَ وَأَنَّ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْقَوْلِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْخَبَرِ وَالدُّعَاءِ مَعًا ، بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْخَبَرِ ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الدُّعَاءِ مَجَازًا لَا مَعًا .
أَجَابَ الْمُثْبِتُونَ عَنِ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِمْكَانِ بِمَنْعِ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لِلَفْظَةٍ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا مُرِيدٌ لِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ ، وَمُرِيدٌ لِلْعُدُولِ بِهَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ ، بَلْ هُوَ مُرِيدٌ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ حَقِيقَةً وَلِمَا لَمْ تُوضَعُ لَهُ حَقِيقَةً .
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ إِضْمَارَ التَّشْبِيهِ وَعَدَمَهُ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْئَيْنِ فَلَا ، كَيْفَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَجَازٍ ؟
[5] [ ص: 245 ] وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَرَكَ مَوْضُوعٌ لِأَحَدِ مُسَمَّيَاتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ حَقِيقَةً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْقَرِينَةِ عِنْدَهُمَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَإِنَّمَا فَارَقَ بَاقِي الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِهِ لِأَشْيَاءَ لَا تَشْتَرِكُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ ، بِخِلَافِ بَاقِي الْعُمُومَاتِ فَنِسْبَةُ
[6] اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي دَلَالَتِهِ إِلَى جُمْلَةِ مَدْلُولَاتِهَا ، وَإِلَى أَفْرَادِهَا كَنِسْبَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ إِلَى مَدْلُولَاتِهَا جُمْلَةً وَأَفْرَادًا .
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا قِيلَ مِنَ التَّقْسِيمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ مَوْضُوعٌ لِأَحَدِ مُسَمَّيَاتِهِ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ حَقِيقَةً ، ضَرُورَةَ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ عَلَى مَشَايِخِ
الْمُعْتَزِلَةِ الْمُعْتَقِدِينَ كَوْنَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مَوْضُوعًا لِأَحَدِ مُسَمَّيَاتِهِ حَقِيقَةً عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ .
فَإِنْ قِيلَ : وَإِنْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=20982اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ حَقِيقَةً فِي الْجَمْعِ فَلَا خَفَاءَ بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي آحَادِ مَدْلُولَاتِهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْقَرِينَةِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا .
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَفْرَادُ ، فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي الْإِفْرَادِ فَاللَّفْظُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ جَمِيعُ مُسَمَّيَاتِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فَلَمْ تَدْخُلْ فِيهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِكُمْ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِفْرَادُ فَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ إِفَادَتَهُ لِلْمَجْمُوعِ مَعْنَاهَا أَنَّ الِاكْتِفَاءَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ وَإِفَادَتَهُ لِلإِفْرَادِ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يَحْصُلُ الِاكْتِفَاءُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ كَمَا سَبَقَ .
قُلْنَا : اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَفْرَادِ مَتَى يَكُونُ مَعْنَاهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا إِذَا كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ إِذَا لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِيهِ ؟ وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ ، بَلْ مَعْنَى اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا .
وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّنَاقُضُ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ ، أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِاللَّفْظِ فِي آحَادِ أَفْرَادِهِ مَعَ الِاقْتِصَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْقَرِينَةِ فَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ غَيْرُ مُشْتَرِطَةٍ فِي
[ ص: 246 ] الِاكْتِفَاءِ ، وَأَمَّا عِنْدَ كَوْنِ الْأَفْرَادِ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الْجُمْلَةِ فَلِأَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : وَإِذَا كَانَتِ الْأَفْرَادُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الْجُمْلَةِ فَلَيْسَ لِلَّفْظِ عَلَيْهَا دَلَالَةً بِجِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِجِهَةِ التَّجَوُّزِ ، بَلْ بِطَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ الذِّهْنِيَّةِ ، وَلَيْسَتْ دَلَالَةً لَفْظِيَّةً لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ .
قُلْنَا : لَا خَفَاءَ بِدُخُولِ الْأَفْرَادِ فِي الْجُمْلَةِ فَتَكُونُ مَفْهُومَةً مِنَ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْجُمْلَةِ ، فَلَهُ عَلَيْهَا دَلَالَةٌ وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِجِهَةِ الْحَقِيقَةِ ، أَوِ التَّجَوُّزُ لِمَا سَبَقَ .
وَعَنِ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ عَلَى النُّصُوصِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَمَّى الصَّلَاةِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنَ الِاعْتِنَاءِ ، وَمُسَمَّى السُّجُودِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنَ الْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ لَاطَّرَدَ الِاسْمُ بِاطِّرَادِهِمَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى كُلُّ اعْتِنَاءٍ بِأَمْرٍ صَلَاةً ، وَلَا كُلُّ خُضُوعٍ وَانْقِيَادٍ سُجُودًا .
وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى بِاسْمِ الصَّلَاةِ اعْتِنَاءً خَاصًّا ، وَبِالسُّجُودِ خُضُوعًا خَاصًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْوِيرِهِ وَبَيَانِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَجِبُ اعْتِقَادُهُ نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ
[7] عَلَى أَنَّ التَّجَوُّزَ وَالِاشْتِرَاكَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ .
وَعَنِ اعْتِرَاضِ
أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَحْقِيقِ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضُوعَاتِهَا فِي اللُّغَةِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ مَذْهَبِ
الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ [8] .
وَعَنِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ مَجَازٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَجْمُوعِ مُسَمَّيَاتِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ بَيَانُ الْوُقُوعِ لَا غَيْرَ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا انْفِكَاكَ فِي قَوْلِهِ : الْوَيْلُ لَكَ عَنِ الْخَبَرِ وَالدُّعَاءِ ، وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ ، وَلَا مَعْنًى لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا سِوَى فَهْمِهِمَا مِنْهُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ .