المسألة الثامنة عشرة
اتفق العلماء على أن كل واحد من المذكر والمؤنث لا يدخل في الجمع الخاص بالآخر كالرجال والنساء ، وعلى دخولهما في الجمع الذي لم تظهر فيه علامة تذكير ولا تأنيث كالناس .
وإنما وقع الخلاف بينهم في الجمع الذي ظهرت فيه علامة التذكير كالمسلمين والمؤمنين : هل هو ظاهر في دخول الإناث فيه أو لا ؟ فذهبت الشافعية
والأشاعرة والجمع الكثير من الحنفية
والمعتزلة إلى نفيه .
وذهبت الحنابلة
وابن داود [1] وشذوذ من الناس إلى إثباته .
[ ص: 266 ] احتج النافون بالكتاب والسنة والمعقول ، أما الكتاب فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) عطف جمع التأنيث على جمع المسلمين والمؤمنين ، ولو كان داخلا فيه لما حسن عطفه عليه لعدم فائدته .
وأما السنة فما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أنها قالت :
يا رسول الله : إن النساء قلن ما نرى الله ذكر إلا الرجال ، فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35إن المسلمين والمسلمات ) الآية
nindex.php?page=showalam&ids=54 [2] .
ولو كن قد دخلن في جمع التذكير ، لكن مذكورات وامتنعت صحة السؤال والتقرير عليه .
وأيضا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355260ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون " فقالت عائشة : هذا للرجال فما للنساء ؟ [3] ولولا خروجهن من جمع الذكور لما صح السؤال ولا التقرير من النبي - صلى الله عليه وسلم .
وأما المعقول فهو أن الجمع تضعيف الواحد ، فقولنا : قام لا يتناول المؤنث بالإجماع ، فالجمع الذي هو تضعيفه كقولنا : قاموا لا يكون متناولا له .
فإن قيل : أما الآية فالعطف فيها لا يدل على عدم دخول الإناث في جمع التذكير .
قولكم لا فائدة فيه ليس كذلك إذ المقصود منه إنما هو الإتيان بلفظ يخصهن تأكيدا فلا يكون عريا عن الفائدة .
وأما سؤال
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وعائشة فلم يكن لعدم دخول النساء في جمع الذكور ، بل لعدم تخصيصهن بلفظ صريح فيهن كما ورد في المذكر .
وأما قولكم : إن الجمع تضعيف الواحد فمسلم ، ولكن لم قلتم بامتناع دخول المؤنث فيه مع أنه محل النزاع ؟ .
والذي يدل على دخول المؤنث في جمع التذكير ثلاثة أمور :
[ ص: 267 ] الأول : أن المألوف من عادة العرب أنه إذا اجتمع التذكير والتأنيث غلبوا جانب التذكير .
ولهذا فإنه يقال : للنساء إذا تمحضن : ادخلن ، وإن كان معهن رجل قيل : ادخلوا .
قال الله - تعالى -
لآدم وحواء وإبليس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38قلنا اهبطوا منها جميعا ) كما ألف منهم تغليب جمع من يعقل إذا كان معه من لا يعقل .
ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=45والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ) ، بل أبلغ من ذلك أنهم إذا وصفوا ما لا يعقل بصفة من يعقل غلبوا فيه من يعقل .
ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) جمعهم جمع من يعقل لوصفهم بالسجود الذي هو صفة من يعقل .
وكتغليبهم الكثرة على القلة حتى إنهم يصفون بالكرم والبخل جمعا أكثرهم متصف بالكرم أو البخل .
وكتغليبهم في التثنية أحد الاسمين على الآخر كقولهم : ( الأسودان ) للتمر ظاهرا ، والعمران
لأبي بكر وعمر ، والقمران للشمس والقمر .
الثاني : أنه يستهجن من العربي أن يقول لأهل حلة أو قرية : أنتم آمنون ونساؤكم آمنات لحصول الأمن للنساء بقوله : أنتم آمنون ، ولولا دخولهن في قوله : أنتم آمنون لما كان كذلك .
وكذلك لا يحسن منه أن يقول لجماعة فيهم رجال ونساء : قوموا وقمن ، بل لو قال : قوموا كان ذلك كافيا في الأمر للنساء بالقيام .
ولولا دخولهن في جمع التذكير لما كان كذلك .
الثالث : أن أكثر أوامر الشرع بخطاب المذكر مع انعقاد الإجماع على أن النساء يشاركن الرجال في أحكام تلك الأوامر ، ولو لم يدخلن في ذلك الخطاب لما كان كذلك .
والجواب قولهم في الآية : فائدة التخصيص بلفظ يخصهن التأكيد .
قلنا : لو اعتقدنا عدم دخولهن في جمع التذكير كانت فائدة تخصيصهن بالذكر التأسيس ، ولا يخفى أن فائدة التأسيس أولى في كلام الشارع .
قولهم : سؤال
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وعائشة إنما كان لعدم تخصيص النساء بلفظ يخصهن ، لا لعدم دخول النساء في جمع التذكير ليس كذلك ، أما سؤال
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة فهو صريح في عدم الذكر مطلقا لا في عدم ذكر ما يخصهن بحيث قالت : ما نرى الله ذكر إلا الرجال ، ولو ذكر النساء ، ولو بطريق الضمن لما صح هذا الإخبار
[ ص: 268 ] على إطلاقه .
وأما حديث
عائشة فلأنها قالت : هذا للرجال ، ولو كان الحكم عاما لما صح منها تخصيص ذلك بالرجال .
قولهم : المألوف من عادة العرب تغليب جانب التذكير ؛ مسلم ، ونحن لا ننازع في أن العربي إذا أراد أن يعبر عن جمع فيهم ذكور وإناث أنه يغلب جانب التذكير ويعبر بلفظ التذكير ، ويكون ذلك من باب التجوز ، وإنما النزاع في أن
nindex.php?page=treesubj&link=28371جمع التذكير إذا أطلق هل يكون ظاهرا في دخول المؤنث ومستلزما له أو لا ؟ وليس فيما قيل ما يدل على ذلك .
وهذا كما أنه يصح التجوز بلفظ الأسد عن الإنسان ، ولا يلزم أن يكون ظاهرا فيه مهما أطلق .
فإن قيل : إذا صح دخول المؤنث في جمع المذكر فالأصل أن يكون مشعرا به حقيقة لا تجوزا .
قلنا : ولو كان جمع التذكير حقيقة للذكور والإناث مع انعقاد الإجماع على أنه حقيقة في تمحض الذكور كان اللفظ مشتركا ، وهو خلاف الأصل .
فإن قيل : ولو كان مجازا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد لدخول المسمى الحقيقي فيه وهم الذكور ، وهو ممتنع .
قلنا : ليس كذلك ، فإنه لا يكون حقيقة في الذكور إلا مع الاقتصار .
وأما إذا كان جزءا من المذكور لا مع الاقتصار فلا .
كيف وإنا لا نسلم امتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز كما سبق تقريره ؟
وأما الوجه الثاني فإنما استهجن من العربي أن يقول : أنتم آمنون ونساؤكم آمنات ؛ لأن تأمين الرجال يستلزم الأمن من جميع المخاوف المتعلقة بأنفسهم وأموالهم ونسائهم ، فلو لم تكن النساء آمنات لما حصل أمن الرجال مطلقا ، وهو تناقض .
أما أن ذلك يدل على ظهور دخول النساء في الخطاب فلا ، وبه يظهر لزوم أمن النساء من الاقتصار على قوله للرجال : أنتم آمنون .
وأما الوجه الثالث فغير لازم ، وذلك أن النساء وإن شاركن الرجال في كثير من أحكام التذكير ، فيفارقن للرجال في كثير من الأحكام الثابتة بخطاب التذكير ، كأحكام الجهاد في قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وجاهدوا في الله حق جهاده ) وأحكام الجمعة في قوله - تعالى - :
[ ص: 269 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) إلى غير ذلك من الأحكام .
ولو كان جمع التذكير مقتضيا لدخول الإناث فيه لكان خروجهن عن هذه الأوامر على خلاف الدليل ، وهو ممتنع فحيث وقع الاشتراك تارة والافتراق تارة علم أن ذلك إنما هو مستند إلى دليل خارج ، لا إلى نفس اقتضاء اللفظ لذلك .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ لَا يَدْخُلُ فِي الْجَمْعِ الْخَاصِّ بِالْآخَرِ كَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَعَلَى دُخُولِهِمَا فِي الْجَمْعِ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلَامَةُ تَذْكِيرٍ وَلَا تَأْنِيثٍ كَالنَّاسِ .
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْجَمْعِ الَّذِي ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَةُ التَّذْكِيرِ كَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ : هَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي دُخُولِ الْإِنَاثِ فِيهِ أَوْ لَا ؟ فَذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ
وَالْأَشَاعِرَةُ وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمُعْتَزِلَةِ إِلَى نَفْيِهِ .
وَذَهَبَتِ الْحَنَابِلَةُ
وَابْنُ دَاوُدَ [1] وَشُذُوذٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى إِثْبَاتِهِ .
[ ص: 266 ] احْتَجَّ النَّافُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) عَطَفَ جَمْعَ التَّأْنِيثِ عَلَى جَمْعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ لَمَا حَسُنَ عَطْفُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَ إِلَّا الرِّجَالَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ) الْآيَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=54 [2] .
وَلَوْ كُنَّ قَدْ دَخَلْنَ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ ، لَكُنَّ مَذْكُورَاتٍ وَامْتَنَعَتْ صِحَّةُ السُّؤَالِ وَالتَّقْرِيرِ عَلَيْهِ .
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355260وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ : هَذَا لِلرِّجَالِ فَمَا لِلنِّسَاءِ ؟ [3] وَلَوْلَا خُرُوجُهُنَّ مِنْ جَمْعِ الذُّكُورِ لَمَا صَحَّ السُّؤَالُ وَلَا التَّقْرِيرُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ تَضْعِيفُ الْوَاحِدِ ، فَقَوْلُنَا : قَامَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ بِالْإِجْمَاعِ ، فَالْجَمْعُ الَّذِي هُوَ تَضْعِيفُهُ كَقَوْلِنَا : قَامُوا لَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : أَمَّا الْآيَةُ فَالْعَطْفُ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْإِنَاثِ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ .
قَوْلُكُمْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَخُصُّهُنَّ تَأْكِيدًا فَلَا يَكُونُ عُرْيًا عَنِ الْفَائِدَةِ .
وَأَمَّا سُؤَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ فَلَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي جَمْعِ الذُّكُورِ ، بَلْ لِعَدَمِ تَخْصِيصِهِنَّ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِيهِنَّ كَمَا وَرَدَ فِي الْمُذَكَّرِ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ الْجَمْعَ تَضْعِيفُ الْوَاحِدِ فَمُسَلَّمٌ ، وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ بِامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمُؤَنَّثِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ ؟ .
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْمُؤَنَّثِ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
[ ص: 267 ] الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَأْلُوفَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ غَلَّبُوا جَانِبَ التَّذْكِيرِ .
وَلِهَذَا فَإِنَّهُ يُقَالُ : لِلنِّسَاءِ إِذَا تَمَحَّضْنَ : ادْخُلْنَ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ قِيلَ : ادْخُلُوا .
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -
لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ) كَمَا أُلِفَ مِنْهُمْ تَغْلِيبُ جَمْعِ مَنْ يَعْقِلُ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=45وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ) ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا وَصَفُوا مَا لَا يَعْقِلُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْقِلُ غَلَّبُوا فِيهِ مَنْ يَعْقِلُ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=4أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) جَمَعَهُمْ جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ لِوَصْفِهِمْ بِالسُّجُودِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ مَنْ يَعْقِلُ .
وَكَتَغْلِيبِهِمُ الْكَثْرَةَ عَلَى الْقِلَّةِ حَتَّى إِنَّهُمْ يَصِفُونَ بِالْكَرَمِ وَالْبُخْلِ جَمْعًا أَكْثَرُهُمْ مُتَّصِفٌ بِالْكَرَمِ أَوِ الْبُخْلِ .
وَكَتَغْلِيبِهِمْ فِي التَّثْنِيَةِ أَحَدَ الِاسْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَقَوْلِهِمْ : ( الْأَسْوَدَانِ ) لِلتَّمْرِ ظَاهِرًا ، وَالْعُمَرَانِ
لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَالْقَمَرَانِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ يُسْتَهْجَنُ مِنَ الْعَرَبِيِّ أَنْ يَقُولَ لِأَهْلِ حِلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ : أَنْتُمْ آمِنُونَ وَنِسَاؤُكُمْ آمِنَاتٌ لِحُصُولِ الْأَمْنِ لِلنِّسَاءِ بِقَوْلِهِ : أَنْتُمْ آمِنُونَ ، وَلَوْلَا دُخُولُهُنَّ فِي قَوْلِهِ : أَنْتُمْ آمِنُونَ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لِجَمَاعَةٍ فِيهِمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ : قُومُوا وَقُمْنَ ، بَلْ لَوْ قَالَ : قُومُوا كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي الْأَمْرِ لِلنِّسَاءِ بِالْقِيَامِ .
وَلَوْلَا دُخُولُهُنَّ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ أَكْثَرَ أَوَامِرِ الشَّرْعِ بِخِطَابِ الْمُذَكَّرِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ يُشَارِكْنَ الرِّجَالَ فِي أَحْكَامِ تِلْكَ الْأَوَامِرِ ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ الْخِطَابِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
وَالْجَوَابُ قَوْلُهُمْ فِي الْآيَةِ : فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِلَفْظٍ يَخُصُّهُنَّ التَّأْكِيدُ .
قُلْنَا : لَوِ اعْتَقَدْنَا عَدَمَ دُخُولِهِنَّ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ كَانَتْ فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِنَّ بِالذِّكْرِ التَّأْسِيسَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَائِدَةَ التَّأْسِيسِ أَوْلَى فِي كَلَامِ الشَّارِعِ .
قَوْلُهُمْ : سُؤَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ إِنَّمَا كَانَ لِعَدَمِ تَخْصِيصِ النِّسَاءِ بِلَفْظٍ يَخُصُّهُنَّ ، لَا لِعَدَمِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ لَيْسَ كَذَلِكَ ، أَمَّا سُؤَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الذِّكْرِ مُطْلَقًا لَا فِي عَدَمِ ذِكْرِ مَا يَخُصُّهُنَّ بِحَيْثُ قَالَتْ : مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَ إِلَّا الرِّجَالَ ، وَلَوْ ذَكَرَ النِّسَاءَ ، وَلَوْ بِطَرِيقِ الضِّمْنِ لَمَا صَحَّ هَذَا الْإِخْبَارُ
[ ص: 268 ] عَلَى إِطْلَاقِهِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
عَائِشَةَ فَلِأَنَّهَا قَالَتْ : هَذَا لِلرِّجَالِ ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ عَامًّا لَمَا صَحَّ مِنْهَا تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالرِّجَالِ .
قَوْلُهُمْ : الْمَأْلُوفُ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَغْلِيبُ جَانِبِ التَّذْكِيرِ ؛ مُسَلَّمٌ ، وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِي أَنَّ الْعَرَبِيَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ جَمْعٍ فِيهِمْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ أَنَّهُ يُغَلِّبُ جَانِبَ التَّذْكِيرِ وَيُعَبِّرُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّجَوُّزِ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28371جَمْعَ التَّذْكِيرِ إِذَا أُطْلِقَ هَلْ يَكُونُ ظَاهِرًا فِي دُخُولِ الْمُؤَنَّثِ وَمُسْتَلْزِمًا لَهُ أَوْ لَا ؟ وَلَيْسَ فِيمَا قِيلَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ التَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الْأَسَدِ عَنِ الْإِنْسَانِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِيهِ مَهْمَا أُطْلِقَ .
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا صَحَّ دُخُولُ الْمُؤَنَّثِ فِي جَمْعِ الْمُذَكِّرِ فَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ مُشْعِرًا بِهِ حَقِيقَةً لَا تَجَوُّزًا .
قُلْنَا : وَلَوْ كَانَ جَمْعُ التَّذْكِيرِ حَقِيقَةً لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي تَمَحُّضِ الذُّكُورِ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ .
فَإِنْ قِيلَ : وَلَوْ كَانَ مَجَازًا لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ لِدُخُولِ الْمُسَمَّى الْحَقِيقِيِّ فِيهِ وَهُمُ الذُّكُورُ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
قُلْنَا : لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الذُّكُورِ إِلَّا مَعَ الِاقْتِصَارِ .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ جُزْءًا مِنَ الْمَذْكُورِ لَا مَعَ الِاقْتِصَارِ فَلَا .
كَيْفَ وَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ ؟
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَإِنَّمَا اسْتُهْجِنَ مِنَ الْعَرَبِيِّ أَنْ يَقُولَ : أَنْتُمْ آمِنُونَ وَنِسَاؤُكُمْ آمِنَاتٌ ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَ الرِّجَالِ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْنَ مِنْ جَمِيعِ الْمَخَاوِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ، فَلَوْ لَمْ تَكُنِ النِّسَاءُ آمِنَاتٍ لَمَا حَصَلَ أَمْنُ الرِّجَالِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ .
أَمَّا أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي الْخِطَابِ فَلَا ، وَبِهِ يَظْهَرُ لُزُومُ أَمْنِ النِّسَاءِ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ لِلرِّجَالِ : أَنْتُمْ آمِنُونَ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَغَيْرُ لَازِمٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ وَإِنْ شَارَكْنَ الرِّجَالَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ التَّذْكِيرِ ، فَيُفَارِقْنَ لِلرِّجَالِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِخِطَابِ التَّذْكِيرِ ، كَأَحْكَامِ الْجِهَادِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) وَأَحْكَامِ الْجُمُعَةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
[ ص: 269 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ .
وَلَوْ كَانَ جَمْعُ التَّذْكِيرِ مُقْتَضِيًا لِدُخُولِ الْإِنَاثِ فِيهِ لَكَانَ خُرُوجُهُنَّ عَنْ هَذِهِ الْأَوَامِرِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَحَيْثُ وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ تَارَةً وَالِافْتِرَاقُ تَارَةً عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى دَلِيلٍ خَارِجٍ ، لَا إِلَى نَفْسِ اقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ .