[ ص: 15 ] المسألة الثالثة
مذهب الجمهور أنه لا إجمال في
nindex.php?page=treesubj&link=21315قوله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=10355109رفع عن أمتي الخطأ والنسيان .
[1] وقال
أبو الحسين البصري وأبو عبد الله البصري وغيرهما : إنه مجمل ، مصيرا منهم إلى أن اللفظ بوضعه لغة يقتضي رفع الخطإ والنسيان في نفسه ، وهو محال مع فرض وقوعه فيجل منصب النبي عن نفيه .
وعند ذلك ، فإما أن يضمر نفي جميع أحكامه أو بعضها ، لا سبيل إلى الأول ، لأن الإضمار على خلاف الأصل ، وإنما يصار إليه لدفع الضرورة اللازمة من تعطيل العمل باللفظ ، فيجب الاقتصار فيه على أقل ما تندفع به الضرورة وهو بعض الأحكام .
كيف وأنه يمتنع إضمار نفي جميع الأحكام ، لأن من جملتها لزوم الضمان وقضاء العبادة ، وهو غير منفي بالإجماع .
ثم ذلك الحكم المضمر لا يمكن القول بتعيينه لعدم دلالة اللفظ عليه ، فلم يبق إلا أن يكون غير معين ويلزم منه الإجمال .
قال النافون للإجمال : وإن تعذر حمل اللفظ على رفع عين الخطأ والنسيان ، فإنما يلزم الإضمار إن لو لم يكن اللفظ ظاهرا بعرف استعمال أهل اللغة في نفي المؤاخذة والعقاب قبل ورود الشرع ، وليس كذلك .
ولهذا فإن كل من عرف عرف أهل اللغة لا يتشكك ولا يتردد عند سماعه قول السيد لعبده " رفعت عنك الخطأ والنسيان " في أن مراده من ذلك رفع المؤاخذة والعقاب .
والأصل أن كل ما يتبادر إلى الفهم من اللفظ أن يكون حقيقة فيه ، إما بالوضع الأصلي ، أو العرف الاستعمالي .
وذلك لا إجمال فيه ولا تردد .
[ ص: 16 ] فإن قيل : لو كان كما ذكرتموه لارتفع عنه الضمان لكونه من جملة المؤاخذات والعقوبات .
قلنا : عنه جوابان : الأول : أنا لا نسلم أن الضمان من حيث هو ضمان عقوبة ، ولهذا يجب في مال الصبي والمجنون ، وليسا أهلا للعقوبة ، وكذلك يجب على المضطر في المخمصة إذا أكل مال غيره ، مع أن الأكل واجب عليه حفظا لنفسه ، والواجب لا عقوبة على فعله ، وكذلك يجب الضمان على من رمى إلى صف الكفار فأصاب مسلما ، مع أنه مأمور بالرمي ، وهو مثاب عليه .
الثاني : وإن سلمنا أنه عقاب ، لكن غايته لزوم تخصيص عموم اللفظ الدال على نفي كل عقاب ، وذلك أسهل من القول بالإجمال .
[ ص: 15 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21315قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=hadith&LINKID=10355109رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ .
[1] وَقَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا : إِنَّهُ مُجْمَلٌ ، مَصِيرًا مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ لُغَةً يَقْتَضِي رَفْعَ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي نَفْسِهِ ، وَهُوَ مُحَالٌ مَعَ فَرْضِ وُقُوعِهِ فَيُجَلُّ مَنْصِبُ النَّبِيِّ عَنْ نَفْيِهِ .
وَعِنْدَ ذَلِكَ ، فَإِمَّا أَنْ يُضْمِرَ نَفْيَ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ أَوْ بَعْضِهَا ، لَا سَبِيلَ إِلَى الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ الْإِضْمَارَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ اللَّازِمَةِ مِنْ تَعْطِيلِ الْعَمَلِ بِاللَّفْظِ ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى أَقَلِّ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَهُوَ بَعْضُ الْأَحْكَامِ .
كَيْفَ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إِضْمَارُ نَفْيِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ ، لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا لُزُومُ الضَّمَانِ وَقَضَاءُ الْعِبَادَةِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَنْفِيٍّ بِالْإِجْمَاعِ .
ثُمَّ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُضْمَرُ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِتَعْيِينِهِ لِعَدَمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ .
قَالَ النَّافُونَ لِلْإِجْمَالِ : وَإِنْ تَعَذَّرَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى رَفْعِ عَيْنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِضْمَارُ إِنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ ظَاهِرًا بِعُرْفِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَلِهَذَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَرَفَ عُرْفَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يَتَشَكَّكُ وَلَا يَتَرَدَّدُ عِنْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ " رَفَعْتُ عَنْكَ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ " فِي أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ رَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنَ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِيهِ ، إِمَّا بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ ، أَوِ الْعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِيِّ .
وَذَلِكَ لَا إِجْمَالَ فِيهِ وَلَا تَرَدُّدَ .
[ ص: 16 ] فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَارْتَفَعَ عَنْهُ الضَّمَانُ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤَاخَذَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ .
قُلْنَا : عَنْهُ جَوَابَانِ : الْأَوَّلُ : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ ضَمَانٌ عُقُوبَةٌ ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، وَلَيْسَا أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ فِي الْمَخْمَصَةِ إِذَا أَكَلَ مَالَ غَيْرِهِ ، مَعَ أَنَّ الْأَكْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حِفْظًا لِنَفْسِهِ ، وَالْوَاجِبُ لَا عُقُوبَةَ عَلَى فِعْلِهِ ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ رَمَى إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا ، مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَيْهِ .
الثَّانِي : وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِقَابٌ ، لَكِنَّ غَايَتَهُ لُزُومُ تَخْصِيصِ عُمُومِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ كُلِّ عِقَابٍ ، وَذَلِكَ أَسْهَلُ مِنَ الْقَوْلِ بِالْإِجْمَالِ .