[ ص: 113 ] الفصل الثالث في الفرق بين التخصيص والنسخ
نقول إن التخصيص والنسخ وإن اشتركا من جهة أن كل واحد منهما قد يوجب تخصيص الحكم ببعض ما تناوله اللفظ لغة غير أنهما يفترقان من عشرة أوجه :
الأول : أن التخصيص يبين أن ما خرج عن العموم لم يكن المتكلم قد أراد بلفظه الدلالة عليه ، والنسخ يبين أن ما خرج لم يرد التكليف به ، وإن كان قد أراد بلفظه الدلالة عليه .
الثاني : أن التخصيص لا يرد على الأمر بمأمور واحد ، والنسخ قد يرد على الأمر بمأمور واحد .
الثالث : أن النسخ لا يكون في نفس الأمر إلا بخطاب من الشارع ، بخلاف التخصيص فإنه يجوز بالقياس وبغيره من الأدلة العقلية والسمعية .
الرابع : أن الناسخ لا بد وأن يكون متراخيا عن المنسوخ ، بخلاف المخصص فإنه يجوز أن يكون متقدما على المخصص ومتأخرا عنه كما سبق تحقيقه .
الخامس : أن التخصيص لا يخرج العام عن الاحتجاج به مطلقا في مستقبل الزمان فإنه يبقى معمولا به فيما عدا صورة التخصيص ، بخلاف النسخ فإنه قد يخرج الدليل المنسوخ حكمه عن العمل به في مستقبل الزمان بالكلية ، وذلك عند ما إذا ورد النسخ على الأمر بمأمور واحد .
السادس : أنه يجوز التخصيص بالقياس ، ولا يجوز به النسخ .
السابع : أن النسخ رفع الحكم بعد أن ثبت بخلاف التخصيص .
الثامن : أنه يجوز نسخ شريعة بشريعة ، ولا يجوز تخصيص شريعة بأخرى .
التاسع : أن العام يجوز نسخ حكمه حتى لا يبقى منه شيء ، بخلاف التخصيص .
العاشر : وهو ما ذكره بعض المعتزلة ، أن التخصيص أعم من النسخ ، وأن كل نسخ تخصيص ، وليس كل تخصيص نسخا ، إذ النسخ لا يكون إلا بتخصيص الحكم ببعض الأزمان ، والتخصيص يعم تخصيص الحكم ببعض الأشخاص وبعض الأحوال وبعض الأزمان ، وفيه نظر .
[ ص: 114 ] وذلك أنه إن ثبت أن ما ذكر من صفات التخصيص الفارقة بينه وبين النسخ داخلة في مفهوم التخصيص ، أو ملازمة خارجة فلا وجود لها في النسخ ، فلا يكون التخصيص أعم من النسخ ، لأن الأعم لا بد وأن يصدق الحكم به مع جميع صفاته اللازمة لذاته على الأخص ، وذلك مما لا يصدق على النسخ فلا يكون النسخ تخصيصا .
وإلا فلقائل [1] أن يقول : ما ذكر من الصفات الفارقة بين التخصيص والنسخ إنما هي فروق بين أنواع التخصيص ، وليست من لوازم مفهوم التخصيص ، بل التخصيص أعم من النسخ ومن جميع الصور المذكورة ، وهو قادح لا غبار عليه ، اللهم إلا أن يرجع إلى الاصطلاح ، وإطلاق اسم التخصيص على بعض هذه الأنواع ، والنسخ على البعض الآخر .
فحاصل النزاع يرجع إلى الإطلاق اللفظي ، ولا منازعة فيه بعد فهم غور المعنى .