المسألة الرابعة
مذهب الجميع جواز خلافا لبعض الشذوذ ، ودليله أمران : نسخ حكم الخطاب لا إلى بدل
الأول : ما يدل على الجواز العقلي ، وهو أنا لو فرضنا وقوع ذلك لم يلزم عنه لذاته محال في العقل ، ولا معنى للجائز عقلا سوى هذا ، ولأنه لا يخلو إما أن لا يقال برعاية الحكمة في أفعال الله تعالى [1] أو يقال بذلك :
فإن كان الأول : فرفع حكم الخطاب بعد ثبوته لا يكون ممتنعا ، لأن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء .
وإن كان الثاني فلا يمتنع في العقل أن تكون المصلحة في نسخ الحكم دون بدله .
الثاني : ما يدل على الجواز الشرعي ، وهو أن ذلك مما وقع في الشرع كنسخ تقديم الصدقة بين يدي مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - [2] ونسخ الاعتداد بحول كامل في حق المتوفى عنها زوجها ، ونسخ وجوب ثبات الرجل لعشرة ، ونسخ وجوب الإمساك بعد [ ص: 136 ] الفطر في الليل [3] ونسخ تحريم ادخار لحوم الأضاحي [4] وكل ذلك بدل من غير بدل إلى غير ذلك من الأحكام التي نسخت لا إلى بدل .
والوقوع في الشرع أدل الدلائل على الجواز الشرعي .
فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه ، وهو قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) أخبر أنه لا ينسخ إلا ببدل ، والخلف في خبر الصادق محال .
قلنا : ما ذكروه إنما هو دليل لزوم البدل في نسخ لفظ الآية ، وليس فيه دلالة على نسخ حكمها ، وذلك هو موضع الخلاف .
سلمنا دلالة ما ذكروه على نسخ الحكم ، لكن لا نسلم العموم في كل حكم وإن سلمنا ، ولكنه مخصص بما ذكرناه من الصور .
سلمنا أنه غير مخصص ، لكن ما المانع أن يكون رفع الحكم بدل إثباته ، وهو خير منه في الوقت الذي نسخ فيه ، لكون المصلحة في الرفع دون الإثبات ، وإن سلم امتناع وقوع ذلك شرعا ، لكنه لا يدل على عدم الجواز العقلي .