[ ص: 221 ] الباب الثاني
في التقليد والمفتي والمستفتي ، وما فيه الاستفتاء ، وما يتشعب عن ذلك من المسائل .
أما (
nindex.php?page=treesubj&link=22297التقليد ) فعبارة عن العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة
[1] وهو مأخوذ من تقليده بالقلادة وجعلها في عنقه ، وذلك كالأخذ بقول العامي ، وأخذ المجتهد بقول من هو مثله
[2] وعلى هذا فالرجوع إلى قول النبي - عليه السلام - وإلى ما أجمع عليه أهل العصر من المجتهدين ، ورجوع العامي إلى قول المفتي ، وكذلك عمل القاضي بقول العدول لا يكون تقليدا
[3] لعدم عروه عن الحجة الملزمة .
أما في قبول قول الرسول فما دل على وجوب تصديقه من المعجزة ، ووجوب قبول قول الإجماع قول الرسول ، ووجوب قبول قول المفتي والشاهدين الإجماع على ذلك
[4] وإن سمي ذلك تقليدا ، فلا مشاحة في اللفظ .
[5] [ ص: 222 ] وأما (
nindex.php?page=treesubj&link=22244المفتي ) فلا بد وأن يكون من أهل الاجتهاد ، وإنما يكون كذلك بأن يكون عارفا بالأدلة العقلية كأدلة حدوث العالم ، وأن له صانعا ، وأنه واحد متصف بما يجب له من صفات الكمال والجلال ، منزه عن صفات النقص والخلل ، وأنه أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأيده بالمعجزات الدالة على صدقه في رسالته وتبليغه للأحكام الشرعية ، وأن يكون مع ذلك عارفا بالأدلة السمعية وأنواعها واختلاف مراتبها في جهات دلالاتها ، والناسخ والمنسوخ منها ، والمتعارضات ، وجهات الترجيح فيها ، وكيفية استثمار الأحكام منها على ما سبق تعريفه ، وأن يكون عدلا ثقة حتى يوثق به فيما يخبر عنه من الأحكام الشرعية ، ويستحب له أن يكون قاصدا للإرشاد وهداية العامة إلى معرفة الأحكام الشرعية لا بجهة الرياء والسمعة ، متصفا بالسكينة والوقار ؛ ليرغب المستمع في قبول ما يقول ، كافا نفسه عما في أيدي الناس ، حذرا من التنفير عنه .
وأما (
nindex.php?page=treesubj&link=22363_24687المستفتي ) فلا يخلو إما أن يكون عالما قد بلغ رتبة الاجتهاد ، أو لم يكن كذلك .
فإن كان الأول قد اجتهد في المسألة ، وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام ، فلا خلاف في امتناع اتباعه لغيره في خلاف ما أداه إليه اجتهاده .
وإن لم يكن قد اجتهد فيها فقد اختلفوا في جواز اتباعه لغيره من المجتهدين فيما أدى إليه اجتهاده ، وقد سبق الكلام فيه بجهة التفصيل وما هو المختار .
[6] وإن
nindex.php?page=treesubj&link=22363لم يكن من أهل الاجتهاد فلا يخلو إما أن يكون عاميا صرفا لم يحصل له شيء من العلوم التي يترقى بها إلى رتبة الاجتهاد ، أو أنه قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة في رتبة الاجتهاد .
فإن كان الأول : فقد اختلف في جواز اتباعه لقول المفتي ، والصحيح أن وظيفته اتباع قول المفتي على ما يأتي ، وإن كان الثاني : فقد تردد أيضا فيه ، والصحيح أن حكمه حكم العامي .
وأما ما فيه (
nindex.php?page=treesubj&link=22343الاستفتاء ) فلا يخلو إما أن يكون من القضايا العلمية ، أو الظنية الاجتهادية ، فإن كان الأول فقد اختلف أيضا في جواز اتباع قول الغير فيه . والحق امتناعه كما يأتي ، وإن كان الثاني : فهو المخصوص بجواز الاستفتاء عنه ووجوب اتباع قول المفتي .
وإذ أتينا على ما حققناه فلنرجع إلى المسائل المتشعبة عنه وهي ثمان :
[ ص: 221 ] الْبَابُ الثَّانِي
فِي التَّقْلِيدِ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي ، وَمَا فِيهِ الِاسْتِفْتَاءُ ، وَمَا يَتَشَعَّبُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ .
أَمَّا (
nindex.php?page=treesubj&link=22297التَّقْلِيدُ ) فَعِبَارَةٌ عَنِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مُلْزِمَةٍ
[1] وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَقْلِيدِهِ بِالْقِلَادَةِ وَجَعْلِهَا فِي عُنُقِهِ ، وَذَلِكَ كَالْأَخْذِ بِقَوْلِ الْعَامِّيِّ ، وَأَخْذِ الْمُجْتَهِدِ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ
[2] وَعَلَى هَذَا فَالرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَرُجُوعُ الْعَامِّيِّ إِلَى قَوْلِ الْمُفْتِي ، وَكَذَلِكَ عَمَلُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعُدُولِ لَا يَكُونُ تَقْلِيدًا
[3] لِعَدَمِ عَرُوِّهِ عَنِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ .
أَمَّا فِي قَبُولِ قَوْلِ الرَّسُولِ فَمَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَصْدِيقِهِ مِنَ الْمُعْجِزَةِ ، وَوُجُوبِ قَبُولِ قَوْلِ الْإِجْمَاعِ قَوْلُ الرَّسُولِ ، وَوُجُوبِ قَبُولِ قَوْلِ الْمُفْتِي وَالشَّاهِدَيْنِ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ
[4] وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَقْلِيدًا ، فَلَا مُشَاحَّةَ فِي اللَّفْظِ .
[5] [ ص: 222 ] وَأَمَّا (
nindex.php?page=treesubj&link=22244الْمُفْتِي ) فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَأَدِلَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ مُتَّصِفٌ بِمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ ، مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَالْخَلَلِ ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيَّدَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ فِي رِسَالَتِهِ وَتَبْلِيغِهِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ عَارِفًا بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَأَنْوَاعِهَا وَاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا فِي جِهَاتِ دَلَالَاتِهَا ، وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْهَا ، وَالْمُتَعَارِضَاتِ ، وَجِهَاتِ التَّرْجِيحِ فِيهَا ، وَكَيْفِيَّةِ اسْتِثْمَارِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَعْرِيفُهُ ، وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا ثِقَةً حَتَّى يُوثَقَ بِهِ فِيمَا يُخْبِرُ عَنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِلْإِرْشَادِ وَهِدَايَةِ الْعَامَّةِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِجِهَةِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ، مُتَّصِفًا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ ؛ لِيَرْغَبَ الْمُسْتَمِعُ فِي قَبُولِ مَا يَقُولُ ، كَافًّا نَفْسَهُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، حَذِرًا مِنَ التَّنْفِيرِ عَنْهُ .
وَأَمَّا (
nindex.php?page=treesubj&link=22363_24687الْمُسْتَفْتِي ) فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا قَدْ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدِ اجْتَهَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ ، فَلَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ اتِّبَاعِهِ لِغَيْرِهِ فِي خِلَافِ مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ اجْتَهَدَ فِيهَا فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ اتِّبَاعِهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِيمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ بِجِهَةِ التَّفْصِيلِ وَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ .
[6] وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=22363لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا صِرْفًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي يَتَرَقَّى بِهَا إِلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ تَرَقَّى عَنْ رُتْبَةِ الْعَامَّةِ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْعُلُومِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ : فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ اتِّبَاعِهِ لِقَوْلِ الْمُفْتِي ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَظِيفَتَهُ اتِّبَاعُ قَوْلِ الْمُفْتِي عَلَى مَا يَأْتِي ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ : فَقَدْ تُرُدِّدَ أَيْضًا فِيهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَامِّيِّ .
وَأَمَّا مَا فِيهِ (
nindex.php?page=treesubj&link=22343الِاسْتِفْتَاءُ ) فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقَضَايَا الْعِلْمِيَّةِ ، أَوِ الظَّنِّيَّةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي جَوَازِ اتِّبَاعِ قَوْلِ الْغَيْرِ فِيهِ . وَالْحَقُّ امْتِنَاعُهُ كَمَا يَأْتِي ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ : فَهُوَ الْمَخْصُوصُ بِجَوَازِ الِاسْتِفْتَاءِ عَنْهُ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِ قَوْلِ الْمُفْتِي .
وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَشَعِّبَةِ عَنْهُ وَهِيَ ثَمَانٌ :