[ ص: 195 ] الأصل الثالث  
في الإجماع  [1] 
ويشتمل على مقدمة ومسائل .  
أما المقدمة ففي  تعريف الإجماع   ، وهو في اللغة باعتبارين :  
أحدهما : العزم على الشيء والتصميم عليه ومنه يقال : أجمع فلان على كذا إذا عزم عليه وإليه الإشارة بقوله تعالى : (  فأجمعوا أمركم      ) أي اعزموا ، وبقوله عليه السلام : "  لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل     " أي يعزم ، وعلى هذا فيصح إطلاق اسم الإجماع على عزم الواحد .  
الثاني : الاتفاق ، ومنه يقال : أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه .  
وعلى هذا فاتفاق كل طائفة على أمر من الأمور دينيا كان أو دنيويا يسمى إجماعا حتى اتفاق  اليهود   والنصارى      .  
وأما في اصطلاح الأصوليين فقد قال  النظام     : هو كل قول قامت حجته حتى قول الواحد .  
وقصد بذلك الجمع بين إنكاره كون إجماع أهل الحل والعقد حجة ، وبين موافقته لما اشتهر بين العلماء من تحريم مخالفة الإجماع ، والنزاع معه في إطلاق اسم الإجماع على ذلك مع كونه مخالفا للوضع اللغوي والعرف الأصولي آيل إلى اللفظ .  
وقال   الغزالي     : الإجماع عبارة عن اتفاق أمة  محمد   خاصة على أمر من الأمور الدينية ، وهو مدخول من ثلاثة أوجه :  
الأول : أن ما ذكره يشعر بعدم انعقاد الإجماع إلى يوم القيامة ، فإن أمة  محمد   جملة من اتبعه إلى يوم القيامة ، ومن وجد في بعض الأعصار منهم إنما يعم بعض الأمة لا كلها ، وليس ذلك مذهبا له ولا لمن اعترف بوجود الإجماع .  
الثاني : أنه وإن صدق على الموجودين منهم في بعض الأعصار أنهم أمة  محمد   غير أنه يلزم مما ذكره أنه لو خلا عصر من الأعصار عن أهل الحل والعقد ، وكان كل من فيه عاميا واتفقوا على أمر ديني أن يكون إجماعا شرعيا ، وليس كذلك .  
 [ ص: 196 ] الثالث : أنه يلزم من تقييده للإجماع بالاتفاق على أمر من الأمور الدينية أن لا يكون إجماع الأمة على قضية عقلية أو عرفية حجة شرعية ، وليس كذلك لما يأتي بيانه .  
والحق في ذلك أن يقال : الإجماع عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة  محمد   في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع .  
هذا إن قلنا إن العامي لا يعتبر في الإجماع ، وإلا فالواجب أن يقال : الإجماع عبارة عن اتفاق المكلفين من أمة  محمد   إلى آخر الحد المذكور .  
فقولنا : ( اتفاق ) يعم الأقوال والأفعال والسكوت والتقرير .  
وقولنا : ( جملة أهل الحل والعقد ) احتراز عن اتفاق بعضهم وعن اتفاق العامة .  
وقولنا : ( من أمة  محمد      ) احتراز عن اتفاق أهل العقد من أرباب الشرائع السالفة .  
وقولنا : ( في عصر من الأعصار ) حتى يندرج فيه إجماع أهل كل عصر ، وإلا أوهم ذلك أن الإجماع لا يتم إلا باتفاق أهل الحل والعقد في جميع الأعصار إلى يوم القيامة .  
وقولنا : ( على حكم واقعة ) ليعم الإثبات والنفي والأحكام العقلية والشرعية ، وإذا عرف معنى الإجماع فلنرجع إلى المسائل المتعلقة به .  
				
						
						
