فإن قال قائل : قد روي عن  عبادة بن الصامت ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توقيفه الناس عن نهيه إياهم عن القراءة خلفه على إخراجه فاتحة الكتاب من ذلك وذكر في ذلك ما : 
 507  - حدثنا  الحسين بن نصر ،  قال : سمعت  يزيد بن هارون ،  قال : أخبرنا  محمد بن إسحاق ،  عن  مكحول ،  عن  محمود بن الربيع ،  عن عبادة ،  قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر ، فتعايا عليه القراءة ، فلما سلم ، قال : " أتقرؤون خلفي ؟ " ، قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها " .  
قيل له : قد اضطرب علينا إسناد هذا الحديث عن  مكحول  فيمن بينه وبين عبادة ،  فرواه  محمد بن إسحاق  كما ذكرت ، ورواه عنه  زيد بن واقد ،  فخالفه في إسناده . 
 508  - كما حدثنا  محمد بن سنان ،  قال : حدثنا  هشام بن عمار ،  قال : حدثنا صدقة يعني ابن خالد ،  قال : حدثنا  زيد بن واقد ،  عن حرام بن حكيم ،  ومكحول ،  عن نافع بن محمود بن ربيعة ،  عن  عبادة بن الصامت ،  قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض  [ ص: 252 ] الصلوات التي يجهر فيها القراءة ، فقال : " لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن " .  
وليس نافع بن محمود  بمعروف ، فتعارض به مثل الآثار التي قد رويناها في هذا الباب ، وليس ما روى  محمد بن إسحاق  فيه ، عن  مكحول  بأولى مما رواه ابن واقد  عنه . 
وقد روى هذا الحديث  رجاء بن حيوة  عن  محمود بن الربيع ،  فأوقفه على عبادة .  
 509  - كما حدثنا  يزيد بن سنان ،  قال : حدثنا أزهر السمان ،  عن  ابن عون ،  عن  رجاء بن حيوة ،  عن  محمود بن الربيع ،  قال : صليت إلى جنب عبادة ،  فقرأ بفاتحة القرآن ، فلما فرغ قلت : يا  أبا الوليد ،  ألم أسمعك قرأت بفاتحة القرآن ؟ قال : " أجل ، إنه لا صلاة إلا بها "   . 
وإذا عاد ما في هذا الحديث إلى عبادة  غير مرفوع لم يكن ما روي عنه أولى مما روي في خلافه عن غيره ممن ذكرناه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه . وقد روي عن  أنس بن مالك  في هذا المعنى ما : 
 510  - حدثنا أحمد بن داود ،  قال : أخبرنا  يوسف بن عدي ،  قال : حدثنا  عبد الله بن عمرو ،  عن أيوب ،  عن  أبي قلابة ،  عن  أنس ،  قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل بوجهه ، فقال : " أتقرؤون والإمام يقرأ ؟ فسكتوا ، فسألهم ثلاثا ، فقالوا : إنا لنفعل ، فقال : لا تفعلوا " .  
وليس في هذا استثناء فاتحة الكتاب ولا غيرها . 
وإنما أصل حديث عبادة  الصحيح عنه ما قد : 
 511  - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  قال أخبرني يونس ،  عن  ابن شهاب ،  قال : أخبرني  محمود بن الربيع ،  عن  عبادة بن الصامت ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن   "  . 
فهذا يحتمل أن يكون قد خرج منه من قد جعلت قراءة إمامه له قراءة .  [ ص: 253 ] 
ثم القياس يشهد لقول من قال بسقوط القراءة عن المأموم إذ كانوا لم يختلفوا في الرجل يأتي إلى إمامه وهو راكع فيدخل معه في صلاته إنه يعتد بتلك الركعة ، وإن لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب ولا غيرها . 
فدل ذلك على أن قراءته فاتحة الكتاب لو كانت واجبة عليه في الصلاة خلف الإمام ، لكانت كوجوب القيام والركوع ، والسجود عليه فيها ، ولما حمل الإمام ذلك عنه ، كما لا يحمل عنه القيام ، ولا الركوع ، ولا السجود . 
ألا ترى أنه قد أتى من القيام يقومه وإن قل مقدارها عند دخوله في صلاته ، وأنه لا يجزئه أن يدخل في صلاته راكعا . 
فدل ذلك على أن الإمام لا يحمل عنه ما يجب عليه أن يأتي به في الحال التي هو مأموم فيها كما يأتي به الإمام ، وأن سقوط القراءة بفاتحة الكتاب وبغيرها عن المأموم في هذه الحال سقوط لها عنه خلف الإمام في كل الأحوال  [ ص: 254 ]  [ ص: 255 ]  . 
				
						
						
