وأما الذين تجب عليهم الزكاة من الناس فقد أجمعوا أن المسلمين البالغين الأحرار الأصحاء العقول الذين يملكون الأموال التي تجب في مقاديرها من أصنافها الزكوات الذين لا يؤتون عليهم إذا أخرجت مما في أيديهم قصرت أموالهم عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة ممن قد دخل في الفرض في الزكاة .
واختلفوا فيمن هذه صفته ، غير أنه لم يبلغ ، فقال قائلون : الزكاة تجب في أموالهم كما تجب عليهم فيها لو كانوا بالغين . [ ص: 258 ] .
ورووا ذلك عن وعن عمر بن الخطاب ، وعن علي بن أبي طالب ، وعن عبد الله بن عمر ، وعن عائشة ، رضي الله عنهم - . جابر بن عبد الله -
516 - حدثنا سليمان بن شعيب الكسائي ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال : أخبرنا القاسم بن الفضل الحارثي ، عن قال : حدثني أبي إياس معاوية بن قرة ، الحكم بن أبي العاص ، أن قال له : " عمر بن الخطاب ، قلت : نعم ، قال : فدفع إلي عشرة آلاف ، فغبت ما شاء الله ، ثم رجعت إليه ، فقال : ما فعل المال ؟ قلت : قد بلغ مائة ألف ، قال : رد إلينا رأس ماله ، لا حاجة لنا به " . إن عندي مالا ليتيم قد كادت الصدقة أن تأتي عليه ، فهل قبلكم متجر ؟
517 - ، حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا القاسم بن الفضل الحداني ، قال : حدثني معاوية بن قرة ، الحكم بن أبي العاص الثقفي ، قال : قال لي ثم ذكر مثله . عمر ،
518 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، قال : أخبرنا عن شريك بن عبد الله ، أبي اليقظان ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : زكى أموال عليا بني أبي رافع ، قال : فدفعها إليهم فوجدوها تنقص .
فقالوا : إنا وجدناها تنقص فقال : " هل تريدون أن يكون عندي مال لا أزكيه ؟ " . أن
519 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا قال : حدثنا معلى بن أسد ، وهب بن خالد ، عن أيوب ، عن عن ابن نافع ، " أنه كان عمر : يكون عنده مال اليتيم ، فربما أنفق بعضه ، وربما أعطى بعضه مضاربة كل ذلك يزكيه " .
520 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : حدثني ابن أبي ذئب ، الحارث بن عبد الرحمن ، عن قال : " سالم بن عبد الله ، يلي مال يتيمين من عبد الله بن عمر بني كعب ، وكان يؤدي زكاة أموالهما [ ص: 259 ] . كان
فقلت : يا أبتاه ، أتؤدي زكاة أموالهما وأنت لا تتجر لهما ولا تبتغي لهما ؟ فإذا أخرجت الزكاة ذهبت أموالهما ، فقال : والله لأزكين أموالهما ولو كان درهما ، ثم ابتاع لهما دار ابن حديدة " .
521 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا قال : أخبرني ابن وهب ، عن مالك ، عن أبيه ، أنه قال : " عبد الرحمن بن القاسم ، تلي أنا وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة عائشة " . كانت
522 - حدثنا قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان الثوري ، عن أبيه ، قال : " عبد الرحمن بن القاسم ، فكانت تبضعها في البحر وكانت تزكيها عائشة ، " . كانت أموالنا عند
523 - حدثنا قال : حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة ، عبد الله بن صالح الجهني ، قال : حدثني عن بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، بكر بن عبد الله بن الأشج ، أن محمد بن عبد الله بن محس حدثه ، أنه سمع يقول : " القاسم بن محمد ، تزكي أموالنا ونحن صغار " . عائشة كانت
525 - حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم ، عن ابن جريج ، سمع أبي الزبير ، جابرا ، " ، وقال قائلون : لا زكاة فيها ، وليس أهلها ممن يدخل في الفرض المذكور في الآيات التي تلونا . ورووا ذلك عن يقول في الرجل يلي مال يتيم ، قال : " يعطي زكاته عبد الله بن عباس .
526 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا الحسن بن الربيع ، عن ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عكرمة ، عن قال : " ابن عباس ، لا تجب على يتيم زكاة حتى تجب عليه الصلاة " . [ ص: 260 ] وكان القياس عندنا في ذلك ما قاله وأولى ، وذلك أن الله - عز وجل - تعبد الخلق بعبادات في أبدانهم وفي أموالهم ، منها : الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، فكان ما تعبدوا به من ذلك كله طاعة لله - عز وجل - ، تعبدوا بها في أبدانهم ، وفي أموالهم ، وقربة لهم إليه ، وطهارة لهم ، وزكاة . ابن عباس
ورأيناهم لا يختلفون في أن الصغار الذين لم يبلغوا ، والمجانين المغلوبين على عقولهم عليهم ، خارجون ممن خوطب بالطاعة لله - عز وجل - بهذه العبادات في الأبدان من الصلاة ، والصيام ، والحج ، فكان النظر في ذلك أن يكونوا خارجين ممن خوطب بالطاعة لله - عز وجل - في هذه العبادات في الأموال من الزكوات .
فإن قال قائل : إن العبادات من الصلوات والصيام والحج فهي عبادات على الأبدان ، والصغار لا عبادات على أبدانهم ، فعلمنا بذلك خروجهم من هذه العبادات .
وأما الزكوات فعبادات في الأموال ، والصغار يساوون الكبار في ذلك إذ كانوا جميعا في ملكهم ذلك سواء .
قيل له : إنهم وإن كانوا في ملكهم للأموال سواء فإن الزكاة لا تجب على كل مالك . ألا ترى أنها لا تجب على أهل الذمة ، ولا على المكاتبين من المسلمين ، ولا ممن سواهم وإن كانوا يملكون من الأموال ما لو كانت لذوي الزكوات من المسلمين وجبت عليهم فيها الزكاة . فدل ذلك أنه قد ردت زكاة الأموال إلى أحكام مالكها ، وروعي ما تعبدوا به فيها ، فأدخل في ذلك المسلمون الأحرار البالغون الذين لا دين عليهم يقصر بهم قضاؤه عن مقادير الزكوات مما أيديهم إليها واصلة ، وأخرج منه الذميون ، والمكاتبون من المسلمين وممن سواهم ، ودل ذلك على أنه يراعى في مالك المال ما يراعى فيه من سائر العبادات في الأبدان من الصلوات .
فإن قال : قد رأينا المكاتب متعبدا بالصلاة في بدنه وغير متعبد بالزكاة في ماله قيل له : فقد وكد هذا حكم الصلاة على حكم الزكاة ، فجعل الصلاة واجبة على من لا تجب عليه الزكاة ، ولما كان ذلك كذلك كان الصبي الذي لا صلاة عليه في بدنه أحرى ألا تكون عليه زكاة في ماله .
فإن قال : فقد رأيناكم توجبونه على اليتيم في أرضه الحرة العشر أو نصف العشر كما توجبونه على الكبير البالغ الصحيح العقل .
قيل له : ذلك لمخالفة الأرض التي يجب فيها العشر ، أو نصف العشر حكم الأموال التي تجب فيها الزكوات سواها ، وذلك أنا رأيناهم لا يختلفون في الإبل السائمة التي تجب [ ص: 261 ] فيها الزكاة ، وفي الذهب والورق والدين التي تجب فيها الزكاة ، أنه يجوز ملك أهل الذمة إياها ويزول بذلك عنها ما كان يجب فيها من العبادات على أهل الإسلام من الزكوات ، لا إلى عوض غيره يكون فيها يجب عليهم .
ورأينا الأرضين العشريات ليست كذلك ، لأن المسلم لو باع أرضه من ذمي ليس من أهل العشر ، فأهل العلم في ذلك على أقوال مختلفة .
فقائل منهم يقول : لا يملكها الذمي ، ولا يجوز ابتياعها ، لأن العشر الذي كان واجبا فيها غير زائل عنها ، وغير مقدور على أخذه من الذمي الذي ذمته تنفي وجوب الزكاة عليه ، وممن روي ذلك عنه منهم مالك بن أنس .
وقائل منهم يقول : يملكها الذمي بابتياعه إياها ، وتتحول إلى أن تصير أرض خراج ، فتكون الخوارج فيها عوضا من العشر الذي كان فيها ، ويوضع موضع الخراج . وممن قال بذلك منهم رحمة الله عليه . حدثنا بذلك من قوله أبو حنيفة محمد بن العباس بن الربيع ، عن عن علي بن معبد ، عن محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، رضي الله عنه - ، ولم يحك فيه خلافا بينه وبين أبي حنيفة - أبي يوسف ، ومحمد .
وقائل يقول : يملكها الذمي ، ويكون عليه فيها العشر مضاعفا وممن روي ذلك عنه رحمة الله عليه . حدثنا بذلك من قوله أبو يوسف سليمان بن سعيد ، عن أبيه ، عن رحمه الله أنه أملاه عليهم ، وذكر لهم أنه بلغه هذا القول عن أبي يوسف الحسن ، والزهري .
قال - رضي الله عنه - : وينبغي في قياس قوله أن يوضع ذلك في مواضع الخراج . أبو جعفر
وقائل منهم يقول : يملكها الذمي وينفي فيها العشر حقا للمسلمين من ملكها من ذمي ، [ ص: 262 ] أو غيره ، وممن قال ذلك منهم حدثنا بذلك من قوله محمد بن الحسن ، أحمد بن أبي عمران ، عن عن محمد بن سماعة ، رحمه الله . محمد بن الحسن
ولا نعلم لأهل العلم في هذه المسألة قولا غير هذه الأقوال التي حكيناها عنهم فيها ، ولا نعلم أن أحدا قال : إن الذمي يملكها ويخلو من وجوب شيء فيها كما يملك سائر الأموال التي تجب فيها الزكوات سواها ، ويخلو من وجوب شيء عليه فيها ، ويبطل ما كان على المسلمين قبله فيها بملكهم إياها .
فلما أجمعوا على مخالفة حكم الواجب في الأرضين العشريات حكم الواجب في الأموال سواها دل ذلك على أن حكم الأرضين لن يخلو من واجب فيها من عشر أو خراج ، وعلى أن ما سواها من الأموال قد يخلو من واجب فيه ، فالذي يخلو من الواجبات فيه إذا ملكه من لا عبادة عليه من أهل الذمة في ذمته بذمتهم يخلو أيضا من الواجب فيه إذا ملكه من قد خلا من العبادات من أطفال المسلمين ومن مجانينهم المطبق عليهم لصغرهم ولجنونهم ، وقد وكد ذلك ما في كتاب الله - عز وجل - مذكورا في الزكوات في الأموال ومذكورا في الثمار .
فأما المذكور فيه في الزكوات في الأموال فقوله - عز وجل - : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ، فأضاف ما يؤخذ منهم من ذلك إلى الطهارة لهم وإلى الزكاة لأبدانهم ، وذلك مما يعقل أنه قد دخل فيه ذووا العبادات ، وخرج من سواهم ممن لا عبادة عليه .
وأما المذكور في الزكوات في الثمار ، فقوله - عز وجل - : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، فأضاف ذلك إلى الواجب فيه ، لا تذكر فيه طهارة ، ولا زكاة ، كما ذكر في الواجب في الأموال من التزكية لأهلها بها ، والتطهير لهم بها .
فدل ذلك على مفارقتها زكاة الأموال التي ذكرنا . وممن كان يذهب هذا المذهب في المطبق عليهم من المسلمين سقوط الزكوات عن الصبيان وعن المجانين أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد .