واختلفوا فيمن ملك عشرة مثاقيل من الذهب ومائة درهم من الورق ، وحال على ذلك في مدة الحول كم يساوي من الذهب ؟ فإن بلغت قيمتها عشرة دنانير أو أكثر ضم القيمة وهي عشرة دنانير أو أكثر إلى العشرة العين الذي في يده ، فزكى عن عشرين مثقالا وعنها وعن زيادة إن كانت على العشرين المثقال ، كما يزكي عن الذهب لو كانت كلها ذهبا ، وإن قصرت قيمتها عن عشرة دنانير نظر إلى قيمة العشرة الدنانير من الورق فضم قيمتها من الورق إلى المائة درهم التي في يده ، وزكى عن ذلك كله كما يزكي عنه لو كان ورقا كله . وممن قال بذلك منهم : أبو حنيفة ، وسفيان حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، نعيم ، قال : حدثنا عن ابن المبارك ، سفيان بهذا القول أيضا .
وكذلك قال أبو حنيفة ، وسفيان ، فيما قل من الدنانير ومن الدراهم ، وفيما كثر منها يقوم كل واحد منهما بصاحبه ، ثم يزكي عن أوفرهما زكاة كما حكيناه عنهم في المائة الدرهم والعشرة الدنانير .
وقال قائلون منهم : لا زكاة في ذلك حتى يتكامل من أحدهما ما تجب فيه الزكاة ، وممن قال بذلك : ابن أبي ليلى ، [ ص: 288 ] . والشافعي
وقال قائلون منهم : لا ينظر في ذلك إلى قيمة الذهب ، ولا إلى قيمة الورق ، ولكن ينظر إلى أجزائه ، فإن كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم كان قد صار عنده نصف كل واحد من المالين اللذين تجب فيهما الزكاة ، فيقوم ذلك مقام مال كامل فتجب على من ذلك في يده الزكاة منه من كل واحد من الصنفين ربع عشره ، وكذلك إن كان عنده مائة درهم ، وخمسون درهما من الورق ، وخمسة مثاقيل من الذهب ، أو خمسون درهما من الورق وخمسة عشر مثقالا من الذهب ، فقد صار عنده من أحد المائتين ثلاثة أرباعه ، ومن الآخر إذا ربعه ، فتكاملت الأجزاء ، فوجب في ذلك الزكاة عليه .
ولو كان عنده خمسون درهما من الورق وأربعة عشر مثقالا من الذهب لم تجب عليه زكاة ، لأنه إنما معه ربع أحد المالين ، وأقل من ثلاثة أرباع المال الآخر ، فلم تتكامل الأجزاء فلا شيء فيه . وممن قال بذلك منهم : أبو يوسف ، ومحمد ، وقالا : لا يقوم ذهب بفضة ، ولا فضة بذهب ، ولا يرد أحدهما إلى صاحبه بقيمة ، وإنما يرد إليهما غيرهما مما سواهما .
حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن وعن أبي يوسف ، محمد بهذا القول .
قال : وكان أبو يوسف رحمه الله يقول بقولنا هذا زمانا ، ثم رجع عنه إلى القول الذي حكيناه عنه ، وكان قول أبو حنيفة في ذلك كقول مالك أبي يوسف ، ومحمد فيه .
وقد روي عن المتقدمين في هذا الباب ما يوافق ما ذهب إليه الذين جعلوا في الذهب مع الورق الصدقة ، غير أنا لا ندري أكان مذهبهم في ذلك كمذهب الأول أو كمذهبه الآخر فيه ؟ أبي حنيفة
573 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا قال : أخبرنا ابن المبارك ، معمر ، عن الحسن ، وقتادة ، " . في رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، قالا : " عليه في العشرة الدنانير والمائة درهم صدقتها
574 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثني ابن لهيعة ، أنه سمع يزيد بن أبي حبيب ، يقول : إن " بكير بن عبد الله ، " . [ ص: 289 ] ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما أجمعوا عليه من أشكاله لنعطف عليه هذا المختلف فيه ، فوجدنا العروض التي للتجارات إذا بيعت بذهب ، ثم أبيع به عرض للتجارة ، ثم بيع بورق ، ثم حال الحول أنه يزكي إذا حال عليه الحول من ذلك ويعتد بذلك كله الحول واحد ، وإن كان المال قد صار في بعض الحول ورقا ، وصار في بعضه ذهبا ، وصار في بعضه عرضا يقوما بورق ، أو بذهب فجمعت أحكام ذلك كله وجعلت كصنف واحد مما تجب فيه الزكاة حال عليه الحول أو لم يحل ، ولم يجعل ذلك كالمواشي . من السنة أن يجمع بين الذهب والورق في الزكاة
ألا ترى أن رجلا لو كانت عنده خمس من الإبل سائمة ، فلما مضى بعض الحول باعها بورق أو بذهب ، ثم ابتاع به إبلا سائمة أو باع الإبل السائمة بإبل سائمة ، أنه يستأنف بها حولا جديدا ، وأنه يسلك بالذهب والفضة والعروض التي للتجارات هذا المسلك ، وجعل حولها كلها حولا واحدا ، وإن كان الملك قد صار فيه أجناسا إذ كانت تلك الأجناس مردودة إلى الورق وإلى الذهب ، لا إلى أنفسها . فلما كان المردود إلى الذهب وإلى الورق حكمه حكما واحدا ، لا حكمين مختلفين ، ولم يجعل كل واحد من الورق ومن الذهب والورق خلاف صاحبه كما جعل في المواشي ، فجعل حكم الإبل منها غير حكم الغنم والبقر في حولها . ثبت بذلك أن حكم الورق والذهب في حكم الواحد أيضا في ضم كل واحد منهما إلى صاحبه لا في حكم الجنسين المختلفين اللذين لا يضم كل واحد منهما إلى صاحبه في قول رضي الله عنه - عمر - لحماس : " قوم مالك ثم زكه " بعد علمه أن ذلك المال يتحول في الحول من الدراهم إلى الدنانير ومن الدنانير إلى الدراهم ، ومن بعض العروض إلى بعض ، فلم يلتفت إلى ذلك على استواء حكم الذهب والورق وعروض للتجارات ، وأنها جميعا كالجنس الواحد من أصول الزكوات لا كالجنسين المختلفين منها ، والله أعلم . عمر