باب الخلطاء
وقد اختلف أهل العلم في وكان بعضهم يقول : لا شيء عليهما ، ولا على واحد منهما ، وقالوا : الاختلاط منهما لا يغير الحكم الذي كان عليه كل واحد منهما في ماله في البدء في وجوب الزكاة فيه بالعدد المعلوم المذكور في السنة ، كما كان عليه قبل الاختلاط ، كما لم يغير الاختلاط حكمه في الحول كما كان عليه قبل الاختلاط ، وممن قال بذلك : الخليطين يكون لهما من الماشية السائمة ما تجب في جملتها الزكاة لو كانت لأحدهما ، فيحول عليها الحول ، أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد رحمهم الله ، حدثنا بذلك سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن وعن أبي حنيفة ، من قولهما ، وعن أبيه ، عن أبي يوسف محمد من قوله .
وكان بعضهم يقول : إذا كان الراعي واحدا ، والمراح واحدا ، والدلو واحدا فهما خليطان ، ولا تجب الصدقة على الخليطين عندهم ، حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب عليه فيه الصدقة .
وتفسير ذلك عندهم : أنه إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة ، وللآخر أقل من أربعين شاة ، أو كان لكل واحد منهما أقل من أربعين شاة ، وجملة غنمهما أكثر من أربعين شاة ، لم يكن على الذي له منهما أقل من أربعين شاة صدقة ، ولا عليهما إذا كان لكل واحد منهما أقل من أربعين شاة صدقة ، وكانت الصدقة واجبة على الذي له منهما أربعون شاة ، وإن كان لكل واحد منهما من الغنم ما تجب فيه الصدقة ، فكان لكل واحد منهما أربعون شاة [ ص: 312 ] فصاعدا جمعا في الصدقة جميعا ، فجعل حكم ذلك كله كهو لو كان لرجل واحد فيما تجب الزكاة عليه فيه .
فإن كان لأحدهما ألف شاة أو أقل من ذلك مما تجب فيه الصدقة ، وللآخر أربعون شاة أو أكثر منها فهما خليطان يترادان بينهما بالسوية على الألف شاة بحصتها ، وعلى الأربعين شاة بحصتها ، وممن قال بذلك مالك .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا قال : أخبرني ابن وهب ، بهذا القول سواء ، غير أنا قد زدنا في كشف معانيه . مالك
وحدثنا يونس ، عن قال : قال ابن وهب ، مالك ، والليث في الخليطين في البقر والغنم والإبل سواء .
وكان بعضهم ، يقول : إذا كانت الماشية السائمة أربعين من الغنم بين رجلين فإن عرف كل واحد منهما ماشيته إلا أنهما يريحان ، ويسرحان ، ويحلبان ، ويسقيان معا ، وكانت فحولهما واحدة مختلطة ، وحال عليهما الحول ، فالزكاة عليهما واجبة ، وممن قال ذلك كما حكاه لنا الشافعي عنه . المزني
وأما ما ذكرنا عن فلا معنى له عندنا ، لأنه قد جعل الخليطين لا شيء عليهما في ماشيتهما ، حتى يكون لكل واحد منهما منها المقدار الذي تجب عليه فيه الزكاة لو كان منفردا عن خليطه ، وإنما يعمل مذهبه الذي ذكرناه عنه في الخليطين ، إذا كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة على الانفراد ، فيجعل ذلك كله كما لرجل واحد فيزكيه كما يزكيه لو كان لرجل واحد ، أو لم يخل عندنا حكم الماشية التي بين الخليطين اللذين ذكرنا من أحد وجهين : إما أن يكون في حكم الماشية إذا كانت لرجل واحد ، فتجب فيها الزكاة إذا كانت أربعين كما تجب فيها لو كانت لرجل واحد . مالك
أو يكون في حكم الماشية إذا كانت لرجلين ، ويكون الاختلاط لا معنى له ، فيكون فيها إذا كانت ثمانين لرجلين لكل واحد منهما أربعون منها شاتان على كل واحد منها شاة ، فإما أن يقول قائل : هي كالرجلين حتى يكون لكل واحد منهما أربعون ، إذا كان لكل واحد منهما منها أربعون فصاعدا ، أو لا معنى لقوله ذلك .
وأما ما ذكرناه عن في هذا الباب فلا معنى له عندنا ؛ لأن الزكاة لا تخلو من أحد وجهين : إما أن تكون تجب في أعيان الأموال ، ولا ينظر إلى أحكام مالكها ، فيسوى في ذلك أن تكون لجماعة أو تكون لرجل واحد ، ويكون الواجب في ذلك كله شيئا واحدا واجبا في عينه ، أو يكون حكم ذلك المال حكم مالكيه ، فيرجع إلى ما يملكه كل واحد [ ص: 313 ] منهم ، فيكون حكمه حكم سائر ماله الذي لا خلطة فيه بينه وبين غيره . الشافعي
فوجدناهم لا يختلفون أن أربعين شاة سائمة لو ملكها رجل مسلم حر من أول الحول ، ثم ملكها رجل آخر مسلم بقية الحول إنه لا زكاة فيها ، وإن كان الحول قد حال على عينها حتى يكمل لها حول عند مالكها الثاني ، فتكون عليه فيها الزكاة ، فلما لم يجعل حكم هذه السائمة في هذا حكم أنفسها ، ورد إلى حكم مالكها في حولها ثبت بذلك أن المراعى في عددها أيضا مالكوها لا أعيانها . ألا ترى أن سوائم أهل الذمة لا شيء فيها ، وأنه لم تراعى أعيانها فتجعل الزكاة فيها لعددها ، ولمرور الحول عليها ، ولأنها سائمة إن كان مالكوها ليسوا من أهل الزكاة .
فدل ذلك على أن الأموال مردودة إلى أحكام مالكها في أحوالها ، وفي عددها إلى أحكام أنفسها وأعيانها ، وإذا وجب أن تكون مردودة إلى ما ذكرنا بطل بذلك القول الذي وصفنا .
وأما المراح ، والفحل ، والدلو ، وما ذكرنا مع ذلك مما يجتمع فيه الخليطان في سائمتهما على ما حكيناه في قوله : فلا معنى له في القياس .
ألا ترى أن رجلا لو كانت له غنمان سوائم في هذين مختلفين ، أو في موضعين مختلفين لكل واحد منهما راع على حدة ، وفحول على حدة ، ودلو على حدة ، ويريح كل غنم منهما ويسرح على حدة ، أن حكمها كحكمهما لو كانت مجتمعة في بلد واحد ، وفي مراح واحد ، وفي دلو واحد ، وأن ذلك وإن افترق وانفردت به كل غنم من الغنمين اللتين ذكرنا غير ملتفت إليه ، وإن الرجوع إليه في ذلك المردود أحكامهما إليه مالكوها ، فالقياس على ما ذكرنا أن يكون ذلك الغنم الذي بين الخليطين اللذين ذكرنا يرجع في أحكامها إلى حكم مالكها فيكون الذي لكل واحد منهما منها في حكمه لو كان منفردا لا خلطة فيه بينه وبين غيره ، وأن لا ينظر في ذلك إلى دلو ، ولا إلى مراح ، ولا إلى فحل ، ولا إلى ما سوى ذلك ، غير ما ينظر إليه لو كانت منفردة ، ولا خلطة فيها بين ربها وبين غيره .
628 - وقد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، قال : " طاوس ، " ، فأخبرت بذلك إذا كان الخليطان يعرفان أموالهما فلا يجمع بينهما في الصدقة فقال : " ما أراه إلا حقا " . عطاء ،
فهذا طاوس ، وعطاء ، لم يراعيا في هذا خلى ، ولا فحلا ، ولا سقيا ، ولا بئرا ، ولا دلوا ، ولا [ ص: 314 ] ما سوى ذلك مما يراعيه كل واحد من مالك ، فيما حكيناه عنهما عن كل واحد منهما في هذا الباب . والشافعي