واختلفوا في الذهب والورق الموجودين في المعادن ، فقال بعضهم : لا شيء فيما وجد منها حتى يكون من الذهب عشرين مثقالا ، ومن الورق خمس أواق فتجب فيها الزكاة مكانه ، وما زاد على ذلك أخذ منه بحساب ذلك ما دام المعدن نيل ، فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل فهو مثل الأول تبدأ فيه الزكاة مكانه كما ابتدئت في الأول .
قال : والمعادن بمنزلة الزرع تؤخذ منها الزكاة كما تؤخذ من الزرع إذا حصد ، ولا ينتظر بذلك حتى يحول عليه الحول ، وممن قال بذلك منهم : مالك ، والليث حدثنا يونس ، قال حدثنا عن ابن وهب ، مالك ، والليث بهذا الذي حكيناه عنهما .
وقد روي هذا عن رحمه الله واحتج أهل هذا المذهب لمذهبهم هذا بحديث رووه في ذلك . الشافعي
661 - حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، نعيم ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد [ ص: 327 ] الأندراوردي ، عن ربيعة بن الحارث بن بلال بن الحارث ، عن أبيه ، وأنه قطع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخذ من معادن القبلية الصدقة ، لبلال بن الحارث العقيق أجمع " .
فلما كان قال عمر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعطك لتحتجبه عن الناس ، ولم يعطك إلا لتعمل . لبلال :
قال : فقطع للناس عمر العقيق .
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن أصل هذا الحديث كما رووه في إسناده ، ولا في متنه فيما رواه من هو أثبت وأحفظ من الدراوردي .
662 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا أن ابن وهب ، أخبره ، مالكا ربيعة ، وغير واحد ، " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية ، وهي ناحية الفرع ، فتلك المعادن لا تؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم " . عن
فهذا هو أصل هذا الحديث في إسناده وفي متنه ، أما في إسناده فمنقطع غير متجاوز به ربيعة .
وأما في متنه فإن المعادن التي كانت تؤخذ منها تلك الصدقة قد كان بلال ملكها بإقطاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه إياها ، والحكم في المعادن الموجودة في المواضع المملوكة وفي المواضع التي ليست بمملوكة مختلف عند غير واحد من أهل العلم ، منهم : في حكمها ، وذلك أنهم كانوا يقولون : كل معدن من معادن الذهب أو الورق وما أشبهها في موضع مملوك فلا شيء على مالكيه فيما وجدوه فيه ، وما كان فيها غير موضع مملوك من الصحاري والبراري ففيما وجد فيها من ذلك الخمس ، قل الوجود فيها أو كثر . أبو حنيفة ،
حدثنا عن محمد بن علي ، محمد ، عن يعقوب ، عن بهذا القول ، وخالفه في ذلك أبي حنيفة أبو يوسف ، ومحمد ، وسنأتي بقولهما الذي خالفاه إليه في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى .
فحديث عن مالك بن أنس ، ربيعة موافق لما ذهب إليه وأما ما في حديث أبو حنيفة ، ربيعة هذا من أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره مما خرج من تلك المعادن [ ص: 328 ] الصدقة ، فقد يجوز أن يكون أراد بذلك الصدقة على مقدارها التي تجب فيه على حولها .
ألا ترى أنه لم يذكر لنا فيها للمأخوذ منه الصدقة مقدار ، وكان ذلك عندهم جميعا على المقدار التي تجب فيه الصدقة من الأموال سوى أموال المعادن ، فلذلك حكم ذلك في الحول حكم سائر الأموال ، سوى أموال المعادن .
وقد وجدنا حكم الفوائد من غير المعادن لا زكاة فيها إلا ببلوغ المقدار المعلوم منها ، وحلول الحول عليها ، والفائدة من المعادن في القياس كذلك ، وليس لأحد أن يدخل في آي الزكوات اللاتي تلونا من كتاب الله - عز وجل - في أول كتابنا شيئا ، إلا بما يجب له إدخاله فيها .