تأويل قول الله تعالى : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس   ) الآية .  
قال الله جل ثناؤه : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين  ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس   ) . 
قال أحمد   : فكان ظاهر هذه الآية على أن الإفاضة الأولى من عرفات ، وعلى أن الإفاضة الثانية من المشعر الحرام ، لأنه قال عز وجل : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام  ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس   ) ، غير أنا وجدنا أهل العلم تأولوا ذلك على إفاضة واحدة ، وكانت هذه الآية عندهم من المحكم المتفق على المراد به ، وجعلوا قوله عز وجل : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس   ) ، في معنى : وأفيضوا من حيث أفاض الناس وقالوا : قد تجعل ثم في موضع الواو ، وكما قال الله عز وجل : ( وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون   ) . 
 [ ص: 173 ] فكان قوله عز وجل : ( ثم الله شهيد على ما يفعلون   ) ، في معنى : والله شهيد على ما يفعلون . 
وقالوا : إنما كان السبب في نزول هذه الآية ، فذكروا ما : 
 1484  - قد حدثنا محمد بن زكرياء بن يحيى أبو شريح ،  قال حدثنا  الفريابي  ، قال حدثنا  قيس بن الربيع ،  عن جابر  ، عن  عكرمة  ، قال : كانت قريش  وخزاعة لا يفيضون إلا من الحرم ، لا يجاوزونه ، وكان سائر الناس يفيضون من عرفات ، فأمروا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس .  
 1485  - وما قد حدثنا محمد بن زكرياء  ، قال حدثنا  الفريابي  ، قال حدثنا قيس ،  عن  عبد الملك ،  عن  عطاء  ، قال : كانت قريش  تفيض من جمع ، ويقولون : إنا حمس ، وكان سائر الناس يفيضون من عرفات ، فأمروا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس .  
 1486  - وما قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  ، قال حدثنا  أبو حنيفة  ، عن سفيان  ، عن جابر  ، عن  مجاهد  ، قال : كانت قريش  لا تجاوز الحرم ، فأنزل الله عز وجل : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس   ) . 
وقد روي عن  جبير بن مطعم  ما يدل على هذا المعنى أيضا . 
 1487  - حدثنا  إسماعيل بن يحيى المزني ،  قال حدثنا  محمد بن إدريس الشافعي  ، عن  سفيان بن عيينة  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن  محمد بن جبير بن مطعم ،  عن أبيه ، قال : ذهبت أطلب بعيرا إلى يوم عرفة ، فخرجت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة  مع الناس ، فقلت : إن هذا من الحمس ، فما له خرج من الحرم ، يعني بالحمس قريشا ؟  
وكانت قريش تقف بالمزدلفة ، ويقولون : نحن الحمس ، لا نجاوز الحرم .  
				
						
						
