فإن قال قائل : فقد رويتم عن في هذا الباب ، أنه قال : عبد الله بن عمر فسوى بينهما في الوجوب ، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بني الإسلام على خمس ، فلم يكن ذلك عنده ينفي وجوب العمرة ؟ الحج والعمرة واجبان ،
قيل له : ما في قول أنها واجبة ما يدل على أنها فريضة ، لأنه قد يجوز أن يكون أراد بقوله ذلك أنها واجبة على جميع المسلمين وجوبا على ما يقوم به الخاص منهم كوجوب الجهاد عند الذين يوجبونه ، فإن كثيرا من أهل العلم منهم ابن عمر ، أبو حنيفة ، وأبو يوسف كانوا يقولون : الجهاد واجب على المسلمين جميعا إلا أن من قام به منهم أجزأ ذلك عن بقيتهم ، وسقط به الفرض عنهم ، كوجوب الصلوات على الجنائز ، وغسل الموتى ، فذلك واجب في عينه على جميع المسلمين ، غير أن من قام به منهم سقط بذلك الفرض عن بقيتهم وكذلك ما خاطب به ومحمد بن الحسن عمر بن الخطاب الصبي بن معبد في قوله : وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي ، وترك الإنكار عليه ، ليس لأن عمر جعل وجوب العمرة كوجوب الحج ، ولكن على أنه جعل ذلك واجبا كوجوب الجهاد على المسلمين ، والدليل على ذلك من مذهبه فيه ما : عمر
1601 - قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا ، قال حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : أخبرني شعبة ، قال : سمعت سليمان الأعمش إبراهيم ، يحدث عن عن عابس بن ربيعة ، قال : إذا حللتم السروج فشدوا الرحال للحج والعمرة ، فإنها أحد الجهادين . عمر بن الخطاب ،
أفلا ترى أن رضي الله عنه قد قرن العمرة بالحج ، وقال : فشدوا الرحال للحج والعمرة ، ثم قال : فإنها أحد الجهادين ، فشبهها خاصة بالجهاد الذي حكمه كما قد ذكرناه فيه من سقوط فرضه عن جميع الناس بقيام الخاص منهم . عمر بن الخطاب
1602 - وإذا ، قد حدثنا ، قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا مكي بن إبراهيم داود بن يزيد الأودي ، عن عن عامر ، ، قال : جرير بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : بني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام رمضان .
[ ص: 216 ] 1603 - وإذا ، قد حدثنا ، قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا علي بن عثمان اللاحقي ، قال حدثنا عبد الواحد بن زياد ، ، قال حدثنا الحجاج بن أرطاة عثمان البجلي ، عن زاذان ، عن ، قال : جرير بن عبد الله جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له ، فسأله عن الإسلام ، فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ، وأن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره للناس ما تكره لنفسك .
1604 - وإذا ، قد حدثنا ، قال حدثنا يزيد بن سنان ، وإذا عثمان بن عمر بن فارس ، قد حدثنا ، قال حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ، قالا : أخبرنا أبو عاصم كهيمش ، عن عن ابن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، ، قال : حدثني عبد الله بن عمر قال : عمر بن الخطاب ، محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال : فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت ؟ قال : نعم قال : صدقت . بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل شديد سواد الشعر ، شديد بياض الثياب ، ما يرى عليه أثر السفر ، ولا نعرفه ، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبته إلى ركبته ، ووضع يده على فخذه ، ثم قال : يا
1605 - وإذا ، قد حدثنا ، قال حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري ، قال حدثنا حماد بن زيد مطر ، عن عن عبد الله بن بريدة ، قال حدثنا يحيى بن يعمر ، ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله ، غير أنه لم يقل في الحج : إن استطعت إليه سبيلا . ابن عمر
1606 - وإذا ، قد حدثنا ، قال حدثنا علي بن معبد قال حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ، عن أبو سنان ، عن علقمة بن مرثد ، قال : كنت أنا ابن بريدة ، ويحيى بن يعمر [ ص: 217 ] جالسين في المسجد ، فجاء ، فأنشأ يحدث ، قال : ابن عمر بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل حسن الوجه ، حسن اللمة ، طيب الريح ، حسن الثياب ، فسلم ، فقال : أدنو منك يا رسول الله ؟ قال : ادن ، قال : حيث أسألك عن شرائع الإيمان قال : تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتقوم رمضان ، وتحج البيت ، وتغتسل من الجنابة . قال : صدقت فعجبنا من قوله : صدقت .
1607 - وإذا الحسن بن الحكم الحيري الكوفي ، قد حدثنا ، قال حدثنا ، قال حدثنا عفان بن مسلم ، قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت ، انس بن مالك ، قال :
قال : فجاء رجل ، فقال : يا محمد ، أتانا رسولك ، فزعم أنك تزعم أن الله عز وجل أرسلك قال : صدق .
قال : وزعم أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال : صدق قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم .
قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا قال : صدق .
قال : فبالذي أرسلك ، الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم .
قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا .
قال : صدق .
قال : فبالذي أرسلك ، الله أمرك بهذا ؟ .
قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا
قال : صدق .
قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمر بهذا ؟ قال : نعم .
قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال : صدق .
[ ص: 218 ] قال : فبالذي أرسلك ، الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم .
قال : فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئا ، ولا أنقص منهن شيئا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لئن صدق ليدخلن الجنة . كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قال : وكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أجرأ على ذلك منا .
1608 - وإذا ، قد حدثنا ، قال حدثنا يوسف بن يزيد حجاج بن إبراهيم الأزرق ، قال حدثنا مبارك بن سعيد النوري ، قال حدثنا سعيد بن مسروق ، عن أيوب يعني : ابن عبد الله بن مكرر ، عن عن شهر بن حوشب ، عبد الرحمن بن غنم ، عن قال : قلت : معاذ بن جبل ، يا رسول الله (ما) العمل الذي يدخلني الجنة ، وينجيني من النار ؟ فقال : لقد سألت عظيما ، وإنه ليسير : شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر في هذه الآثار بفرائض الإسلام التي بني عليها ، ولم يذكر في ذلك العمرة ، فدل ذلك أنها ليست فريضة كفرض الحج المذكور على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصلاة ، ومع صوم رمضان ، ومع ما ذكره في هذه الآثار التي ذكر فيها ما بني الإسلام عليه ، وما إذا أتى به الرجل ، وقصر عما سواه ، لم يمنعه ذلك من أن يكون قد أتى بما عليه من الفرائض ، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال للرجل في حديث الذي روينا : لئن أنس بن مالك صدق ليدخلن الجنة .
فهذا حكم العمرة من طريق الآثار ، وليس فيما ذكرناه أيضا من قول زيد بن ثابت : نسكان أو صلاتان لا يضرك بأيهما بدأت ، يريدها ويريد الحج ، ما يدل على وجوبها عنده ، لأنه لم يقل : نسكان واجبان ، ولا : صلاتان واجبتان .
فإن قال قائل : فما معنى قوله : نسكان ؟ قيل له : قد يكون النسك تطوعا ، وقد يكون فريضة ، فأما ما يكون تطوعا فما نسكه الناس مما يتقربون به إلى ربهم عز وجل من الهدي بالتطوع ، ومما سوى ذلك فإن قال : فقد قرن بينهما ، قال : الحج والعمرة نسكان أو صلاتان ، فدل ذلك على استواء حكمهما كان عنده ؟
[ ص: 219 ] قيل له : ما في ذلك دليل على استواء حكمهما كان عنده ، لأن الشيء قد يقرن بالشيء وحكمهما مختلف قال الله عز وجل ثناؤه : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ، والرفث يفسد الحج ، والجدال لا يفسده ، فقرن بين هذه الأشياء على اختلاف أحكامها في أنفسها والفرائض فإنما تعلم بالتوقيف عليها ، فلما لم يقف على فرض الله عز وجل العمرة على عباده لم يجعلها فريضة عليهم .
فقال قائل : القياس يوجب أنها فريضة قال : وذلك أنا لم نر شيئا يتطوع به إلا وله أصل في الفرض ، من ذلك الحج ، يتطوع به ، وله أصل في الفرض ، ومن ذلك الصلاة ، يتطوع بها ، ولها أصل في الفرض ، ومن ذلك الصدقة ، يتطوع بها ، ولها أصل في الفرض ، ومن ذلك الصيام ، يتطوع به ، وله أصل في الفرض .
قال : فعقلنا بذلك أن العمرة لما كان يتطوع بها لم يكن ذلك إلا ولها أصل في الفرض .
فقيل لقائل هذا القول : فقد رأينا الاعتكاف يتطوع به ، ولا أصل له في الفرض ، ففسد بذلك عليه ما احتج به . وكان الذي جاء به مما ذكرناه عنه مقلوبا ، وإنما هو ما يتطوع به ، فقد يكون له أصل في الفرض ، وقد لا يكون له أصل في الفرض ، وما له أصل في الفرض فجائز أن يتطوع به كالصلاة وكالصدقة وكالحج ، فهذا الذي ذكرنا لا شيء فيه يوجب فرض العمرة .
وممن كان يذهب إلى أن العمرة من التطوع الذي لا ينبغي تركه ، ، أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، وزفر ، وأبو يوسف ، وأما ومحمد بن الحسن فقد كان يذهب إلى أنها واجبة . الشافعي