فإن احتج محتج ممن يقول : الأقراء الأطهار ، بما احتج به  الشافعي  ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر  لما أخبره أن عبد الله  طلق زوجته حائضا : مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء ، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده فيما تقدم . 
قال : ففي ذلك ما دل على أن العدة هي الطهر ، إذ كان الطهر هو الوقت الذي ينبغي أن يوقع الطلاق للسنة فيه ، لا الحيض الذي يتصل عند إيقاع الطلاق للسنة فيه . 
قيل له : العدة اسم جامع يقع على أشياء مختلفة ،  فمن ذلك العدة التي تطلق لها النساء ، هي الأطهار ، ومن ذلك العدة التي يعتددن بها من وفاة أزواجهن عنهن ، وهي أربعة أشهر وعشرا إذا لم يكن حوامل ، ومن ذلك العدة التي يعتددن بها إذ كن حوامل في طلاق الأزواج ، وفي موتهن جميعا ، ومن ذلك العدة التي يعتددن بها من الطلاق إن لم يكن حوامل ، وهي الأقراء التي اختلفنا فيها فكل هذا يسمى عدة ، وكل واحدة منها غير ما سواه منها وإذا كانت هذه الأجناس المختلفة يقع عليها هذا الاسم احتمل أن يكون هذا الاسم أيضا يقع على الطلاق للعدة ، وهو غير ما سواه من العدد ، وهذا  عمر  الذي خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الذي احتججت به قد قال : إن الأقراء الحيض ، ومذهبك أن من روى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بتأويله ، فقد وجب عليك أن يكون  عمر  في هذا الحديث أولى ممن خالفه في الأقراء . 
فإن قلت : إن  عبد الله بن عمر  قد روى هذا الحديث ، ووقف على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روينا عنه في الأقراء أنها الأطهار ؟ . 
قيل لك : قد روينا عن  ابن عمر  خلاف ذلك فيما ذكرنا في هذا الباب ، وهو  [ ص: 378 ] أولى به لموافقة ما كان  عمر  عليه . 
ولما وجدنا الله عز وجل جعل الأقراء مضمنة بالعدد ، فقال : ( ثلاثة قروء   ) ، وكان من قول من زعم أنها الأطهار : أنه إذا طلقها في طهر قد مضى أكثره ، أنها تعتد بما بقي منه قرءا مع قرءين كاملين سواه ، فعاد ذلك على مذهبه إلى قرءين وبعض ثالث وهذا بغير ما نصه الكتاب لأنه قد نص جل وعز عددا ، فلا يجوز أن يكون أقل منه . 
فإن قال : فقد رأيناه عز وجل قال : ( الحج أشهر معلومات   ) ، وكان ذلك في الحقيقة على شوال وذي القعدة وبعض ذي الحجة ، وكما قال عز وجل : ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس   ) ، فجعل ذلك أكثر أهل العلم على أخوين فصاعدا ، كان كذلك هذا أيضا في الأقراء . 
قيل له : لا يشبه هذا الأقراء ، لأنه ما جاء بغير عدد كما قال : أشهر ، وكما قال عز وجل : إخوة ، جاز في ذلك أن يكون على اثنين فصاعدا وإن كان دون الثلاثة . 
وأما ما وكد بالعدد فقيل فيه : ثلاثة ، أو أربعة ، أو غير ذلك ، فلا يجوز أن ينقص عن ذلك كما قال عز وجل : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن   ) ، فلم يجز أن يقع ذلك على أقل من ثلاثة أشهر ، كما قال عز وجل : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا   ) ، فلم يجز في ذلك أقل من أربعة أشهر وعشر ، وكما قال عز وجل : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر   ) ، فلم يجز أن يكون ذلك على أقل من أربعة أشهر ، وكما قال عز وجل : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم   ) فلم يجز أن ينقص عن شيء مما سماه عز وجل من العدد وكذلك قوله عز وجل : ( شهرين متتابعين   ) في  [ ص: 379 ] كفارة الظهار والقتل ، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين ، لا يجزئ في شيء من ذلك التقصير عن العدد المذكور فيه وكذلك : ثلاثة قروء لا يجوز أن يكون على أقل من ثلاثة من الأقراء . 
فإن قال قائل : فإن في الآية ما يدل على أن المراد هو الطهر ، وذلك الطهر مذكر ، والهاء في جمعه ثابتة كما تقول : ثلاثة أطهار ، وثلاثة رجال ، وثلاثة أثواب والحيضة مؤنثة ، وتسقط الهاء من جمعها كما يقال : ثلاث نسوة ، وكما يقال : ثلاث حيض وقال الله عز وجل : ( ثلاثة قروء   ) فكان إدخاله الهاء في الثلاثة دليلا على أنه أراد مذكرا وهو الطهر . 
قيل له : ليس في ذلك دليل على ما ذكرت ، لأن الشيء قد يسمى باسمين أحدهما مذكر ، والآخر مؤنث ، فإذا جمع باللفظ الذي هو مذكر منهما استعمل فيه حكم التذكير ، فأثبتت الهاء فيه ، وإذا جمع باللفظ الذي هو مؤنث منهما استعمل فيه حكم التأنيث ، فأسقط الهاء منه ، من ذلك الدار تسمى دارا وتسمى منزلا ، فإذا جمعت بلفظ الدار قيل : ثلاث آدر ، وإذا جمع بلفظ المنزل قيل : ثلاثة منازل . 
ومن ذلك الرمح ، يقال له : رمح ، ويقال له : قناءة ، ثم يجمع كل واحد منهما بمثل ما يجمع به مثل لفظه وكذلك الثوب والملحفة وهو شيء واحد ، يجمع بالثوب على التذكير ، وبالملحفة على التأنيث وكذلك القرء والحيض ، هو شيء واحد ، إن جمع بلفظ القرء جمع على التذكير ، وإن جمع بلفظة الحيضة جمع على التأنيث . 
فأما وجه النظر في ذلك فإنا رأينا الأمة التي يجعل عليها نصف ما على الحرة ، قد جعلت عدتها حيضتين ، من ذلك أن الحيضة لا تتبعض ، ولو أمكن أن تتبعض لقيل : حيضة ونصف حيضة ، كما قيل في الشهر : شهر ونصف شهر لما أمكن التبعيض في ذلك ، وكما قال  عمر بن الخطاب  فيما : 
 [ ص: 380 ]  1932  - حدثنا سليمان بن شعيب  ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح ،  قال حدثنا  محمد بن مسلم  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن عمرو بن أويس الثقفي ،  قال قال  عمر بن الخطاب  في عدة الأمة ، لو قدرت على أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت .  
وهذا من  عمر  بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواه ، ومتابعتهم إياه على ذلك حتى قالوا جميعا : إن عدتها حيضة ونصف ، وحتى قال بذلك التابعون بعدهم ، وتابعوا التابعين حتى أفضى الأمر في ذلك إلى المختلفين في الأقراء اللائي ذكرنا ، فإذا كان على الأمة من العدة مما هو نصف ما على الحرة منها من الحيض ، لا من الأطهار ، كان الذي على الحرة منها أيضا من الحيض ، لا من الأطهار وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان يثبتان هذا المعنى في الإماء . 
 1933  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  ، قال حدثنا  أبو عاصم  ، عن  ابن جريج  ، عن مظاهر بن أسلم ،  عن القاسم  ، عن  عائشة  ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تطلق الأمة تطليقتين ، وتعتد حيضتين .  
 1934  - حدثنا  يزيد بن سنان  ، قال حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري ،  قال حدثنا عمر بن شبيب المسلي ،  عن عبد الله بن عيسى ،  عن عطية ،  عن  ابن عمر  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . 
 [ ص: 381 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					