تأويل قوله تعالى : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم   )  
قال الله عز وجل : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم   ) ، إلى آخر الآية روي عن  عبد الله بن مسعود  في سبب نزول هذه الآية ما : 
 1965  - حدثنا  يزيد بن سنان  ، قال حدثنا  يحيى بن حماد  ، قال حدثنا  أبو عوانة  ، عن سليمان  ، عن إبراهيم  ، عن علقمة ،  عن  عبد الله  ، قال : بينا نحن عشية جمعة في  [ ص: 409 ] المسجد إذ قال رجل : إن أحدنا رأى مع امرأته رجلا ، فإن هو قتله قتلتموه ، وإن هو تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ شديد ، اللهم احكم فأنزلت آية اللعان .  
قال  عبد الله   : فكان ذلك الرجل أول من ابتلي . 
وروي عن  ابن عمر  في سبب نزولها ما : 
 1966  - حدثنا سليمان بن شعيب  ، قال حدثنا أبي ، قال حدثنا  أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ،  وأبو المنذر أسد بن عمرو البجلي ،  عن  عبد الملك بن أبي سليمان  ، عن  سعيد بن جبير  ، قال : دخلت على  ابن عمر  ، فسألته : هل يفرق بين المتلاعنين ؟ فحدثني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الرجل يرى مع امرأته الرجل ، فإن سكت سكت على أمر عظيم ، وإن تكلم تكلم بأمر عظيم . 
قال : فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه فقال : قد ابتليت بالذي سألتك عنه قال : ونزلت هذه الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة النور فخوفه ، وقال : عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وذكره ، فقال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ودعا المرأة فذكرها ، وقال : عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقالت : والذي بعثك بالحق إنه لكاذب قال : فقام الرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم قامت المرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ثم فرق بينهما : 
 [ ص: 410 ] ففي هذا الحديث ما في الأول عن قوله : وإن تكلم جلدتموه وفيه كيفية اللعان ، وتفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بعد تمامه ، وتخويفه كل واحد منهما مما خوفه منه .  
وقد روي عن  سهل بن سعد  في سبب نزولها ما : 
 1967  - حدثنا يونس  ، قال حدثنا  ابن وهب  ، قال : وأخبرني  مالك  ، عن  ابن شهاب  ، أن  سهل بن سعد  ، أخبره ، أن عويمرا العجلاني  جاء إلى عاصم بن عدي ،  فقال له : أرأيت يا  عاصم  لو أن رجلا وجد رجلا مع امرأته ، أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ سل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
فلما رجع  عاصم  إلى أهله جاءه عويمر ،  فقال : يا  عاصم ،  ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال  عاصم  لعويمر :  لم تأتني بخير ، فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر :  والله لا أنتهي حتى أسأله عنها ، فأقبل عويمر  حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس ، فقال : يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أنزل فيك وفي صاحبتك ، فاذهب فأت بها . 
قال سهل :  فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغا قال عويمر :  كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكها ، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
قال  ابن شهاب   : وكانت سنة المتلاعنين .  
 1968  - حدثنا يونس  ، قال حدثنا  ابن وهب  ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله الفهري ،  وغيره ، عن  ابن شهاب  ، عن سهل ،  بنحو ذلك ، وقال : فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وكان ما صنع  [ ص: 411 ] عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة . قال سهل :  فحضرت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا . 
ففي هذا الحديث مثل ما في حديث  ابن مسعود  غير قوله : وإن تكلم جلدتموه وفيه ملاعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين اللذين حدث الأمر الذي من أجله كان اللعان بينهما ، وفيه تفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فهذا ما روي في سبب نزول هذه الآية التي تلونا . 
ثم اختلف أهل العلم في الرمي الذي يوجب هذا اللعان ما هو ، فقالت طائفة : هو قول الزوج لامرأته : رأيتك تزنين ،  لا ما سواه من قوله لها : يا زانية وممن قال ذلك  مالك  وجماعة من أهل المدينة   . 
وقالت طائفة : هو قول الرجل لامرأته : رأيتك تزنين ،  وقوله لها : يا زانية كل واحدة منهما في قولهم يوجب اللعان الحادث بينهما ، وممن قال ذلك  أبو حنيفة  ،  وزفر  ،  وأبو يوسف  ، ومحمد  في جماعة من الكوفيين ، وممن سواهم ،  والشافعي .  
ولما اختلفوا في ذلك وجب النظر فيما اختلفوا فيه ، فرأيناه عز وجل قد قال في الآية التي قبل آية اللعان من سورة النور : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء   ) ، إلى آخر الآية . 
فكل ذلك الرمي المذكور فيها هو الرمي بالزنى ، كانت الرواية مذكورة فيه أو لم تكن فلما كان الرمي المذكور في الآية الأولى هو ما ذكرنا ، كان الرمي المذكور في الآية الثانية كذلك ، فثبت بما وصفنا ما قال أهل المقالة الثانية . 
				
						
						
