ولما اختلفوا في ذلك نظرنا ، فوجدنا الزوجين اللذين ذكرنا أنهما من أهل اللعان إذا قذف الرجل منهما المرأة يسأل أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون على ما رماها به من ذلك ، كما يسأل أن يأتي بهم لو قذفها والنكاح بينه وبينها ، فإن جاء بأربعة يشهدون على ذلك سقط به اللعان عنه كما يسقط عنه الحد لو جاء بهم بعد أن قذفها وهي أجنبية ، لا نكاح بينه وبينها فلما كان الذي يسقط عنه اللعان في قذفه إياها وهي زوجة ، هو الذي يسقط عنه الحد في قذفه إياها وهي أجنبية .
عقلنا بذلك أن وكان لو قذفها وهي أجنبية على غير دين الإسلام أو مملوكة لاحد [ ص: 436 ] لها عليه ، فكذلك إذا قذفها وهي زوجة ، كذلك لا لعان لها عليه فهذا القول عندنا . الذي يوجب اللعان في قذفه وهي زوجة ، هو الذي يوجب الحد في قذفه وهي أجنبية ،
وكذلك إن ويدرأ عنه الحد بالزنى أو بالوطء الذي ذكرنا ، ما يدرأ به الحد عن القاذف الغريب الذي لا نكاح بينه وبين المقذوفة وهذا قول كانت المرأة قد زنت أو وطئت وطئا يدرأ الحد عن قاذفها لو كانت أجنبية ، فإذا قذفها وهي زوجة فهي في القياس ممن لا يجب لها لعان ، ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد .
ولو أن هذه فطائفة تقول : لا لعان لهذه المرأة على زوجها ، ولا حد عليه ، ولا ينتفي منه ولدها إن نفاه في قذفه وممن قال ذلك المرأة التي قذفها زوجها كانت محدودة في قذف وهي حرة مسلمة غير موطأة وطئا يدرأ الحد عن قاذفها الأجنبي ، فإن أهل العلم يختلفون في ذلك ، ، أبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد كما حدثنا محمد ، عن علي ، عن محمد ، عن ، عن أبي يوسف قال أبي حنيفة محمد : هو قولنا .
وطائفة تقول : يلاعن بينهما كما يلاعن لو كانت غير محدودة وممن قال ذلك وغير واحد من الكوفيين وكان من حجة من ذهب إلى ذلك من الكوفيين سوى الشافعي ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد ، ومن تابعهم أن هذه المرأة لو قذفها غريب حد لها في قذفه إياها لو كانت غير محدودة ، فلما كان الحد غير مبطل لها على الغريب كان غير مبطل لوجوب اللعان لها على القاذف إذا كان زوجا .
وكان من حجة ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد لقولهم : أن هذه لقول الله عز وجل : ( المحدودة في قذف لا شهادة لها ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) فلما كانت ممن لا شهادة لها ، وكان اللعان شهادة لقول الله عز وجل : ( فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ) خرجت هذه المرأة بذلك من حكم اللعان ، فلم تكن من أهله ، وكان قذف زوجها غير مشبه قذف الغريب ، إذ كان قذف الزوج يحتاج فيه إلى شهادات منه ومنهما ، ولا شهادة لها ، ولا يحتاج في قذفه الغريب إلى شهادة منها وهذا قول صحيح ، وبالله التوفيق ، قول ومن تابعه . أبي حنيفة
[ ص: 437 ] ولو أن هذه المرأة لم تكن محدودة في قذف كما ذكرنا ، ولكن زوجها القاذف لها كان محدودا في قذف ، فإن ، أبا حنيفة وأبا يوسف ، ومحمدا كانوا يقولون في ذلك : يقام لها على زوجها حد القذف ، لأنه لا يستطيع لعانها ، إذ كان محدودا لا شهادة له وكذلك لو كانت هي وزوجها محدودين في قذف والمسألة على حالها ، كان على زوجها في قذفه إياها الحد ، لأنه المبدأ به في اللعان لو كانا من أهل اللعان فإذا كان غير مستطيع اللعان لها حد لها فإذا تم اللعان بين الزوجين ، وفرق الحاكم بينهما في قول ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد ، أو وقعت الفرقة بينهما بتمام اللعان في قول ، مالك ، أو تم اللعان من الزوج خاصة ، فوقعت الفرقة في قول وزفر رحمه الله قبل التعان المرأة ، فإن هذه المرأة حرام على زوجها الملاعن لها . الشافعي
فأما ، أبو حنيفة فكانا يقولان في ذلك : قد حرمت عليه كما تحرم عليه لو طلقها تطليقة بائنة ، فيجعلانها حراما عليه بتطليقة بائنة ، ويمنعانه من تزويجها ما كان مقيما على قذفه إياها ، غير مكذب نفسه ، فإن أكذب نفسه في ذلك جلده الحاكم لها حد القاذف ، وأسقط بذلك شهادته عن المسلمين ، وكان خاطبا لها كسائر خطابها ، هكذا حدثنا ومحمد بن الحسن محمد بن العباس ، عن علي ، عن محمد ، عن ، عن أبي يوسف قال أبي حنيفة محمد : وهو قولنا .
قال محمد : وكذلك لو أن الذي أقيم عليها وكذلك لو لم تقذف رجلا فيقام عليها الحد في ذلك ، ولكنها زنت فأقيم عليها في ذلك الزنا ، فإن لزوجها الملاعن لها أن يتزوجها بعد ذلك ، لأنها لما صارت بالحد الذي أقيم عليها في القذف أو الزنا ممن لا يستطيع اللعان في المستأنف ، وممن لو كانت هذه حاله قبل اللعان الأول لم يلاعن بينهما ، حل له تزويجها . المرأة قذفت رجلا فحدت كان زوجها الملاعن لها خاطبا من الخطاب ، وحل له تزويجها وإن كان مقيما على قوله الأول الذي قاله لها ، لأنها قد سقطت شهادتها عن المسلمين بالحد
[ ص: 438 ] وأما فكان يقول : الفرقة الواقعة بينهما فسخ بغير طلاق هكذا روى بشر عنه ولم يذكر أبو يوسف محمد هذا الحرف أنه فسخ ، ولكنه معنى ما حكاه من مذهب . أبي يوسف
وقد روى غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين أنهما لا يجتمعان أبدا ، فمن ذلك ما :
2000 - حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن أبي يوف ، عن ، عن الأعمش إبراهيم ، عن أنه قال : عمر بن الخطاب ، لا يجتمع المتلاعنان أبدا .
2001 - وعنه ، عن أبيه ، عن ، عن أبي يوسف عن قيس بن الربيع ، عن عاصم بن أبي النجود ، زر ، عن علي ، مثله .
2002 - وبإسناده عن عن عاصم ، عن أبي وائل ، ، مثل ذلك ، ولم أجد في كتابي عن ابن مسعود وأنا أحفظه عن عاصم ، قيس ، عن عاصم .
2003 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، قال حدثنا قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، عن يعلى بن عبيد ، ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري بقصة المتلاعنين ، وقال فيه : سهل بن سعد فقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد بعد العصر ، وأنا أنظر مع الناس ، فتلاعنا .
قال : ابن شهاب إذا تلاعنا فرق بينهما ، ثم لا يجتمعان أبدا . فمضت السنة أنهما
وقد روى بعض الناس هذا فساقه بلفظ واحد ، فلم يفصل فيه بين كلام وبين ما قبله في الحديث فذكرنا هذا ليعلم أن الذي في الحديث من مضي السنة [ ص: 439 ] أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما ، ثم لا يجتمعان أبدا من كلام ابن شهاب ، لا من كلام من قبله غير أن في هذا الحديث حرفا مما كنا نحتاج إليه فيما تقدم ، وهو قوله : ابن شهاب مضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما ، ففي ذلك ما يدل على ما قال ، أبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد : أن الفراغ من اللعان لا يوجب فرقة بين المتلاعنين حتى يفرق الحاكم وقد روي عن ، ابن المسيب في الملاعن إذا أكذب نفسه وجالد أن له أن يتزوج التي لاعنها ، كما : والنخعي
2004 - حدثنا ، قال حدثنا يحيى بن عثمان عبد الرحمن بن يعقوب بن أبي عباد ، قال حدثنا سفيان ، عن ، عن يحيى بن سعيد ابن المسيب ، أن الملاعن إذا أكذب نفسه ردت إليه امرأته .
قال سفيان : ولقينا ابن أبي هند ، فحدثنا به عن . ابن المسيب
قال أحمد : ومعنى ردت إليه : إن تزوجها ، كما يقال للمرأة إذا طلقها زوجها ثلاثا ، ثم تزوجت بعده زوجا فدخل بها ، ثم طلقها ، وانقضت عدتها فدخلت له ، ليس يراد بذلك بأنها حلت له بغير نكاح يأتنفه عليها ، ولكن قد حلت له ، أي قد حلت له من الحرمة التي كانت حرمت بها عليه ، فصار هو وسائر الناس في حلها لهم سواء .
2005 - حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة حماد ، عن إبراهيم ، أنه قال : إن ضرب بعد ذلك ، يعني الملاعن ، ويعني الحد ، فهو خاطب من الخطاب ، يتزوجها إن شاء وشاءت .
وقد روي عن في هذا ما : ابن جبير
2006 - حدثنا عبيد الله بن محمد بن سليمان ، قال حدثنا ، قال حدثنا علي بن معبد عن مروان بن شجاع ، خصيف ، عن ، أنه كان يقول : سعيد بن جبير إذا لاعن الرجل امرأته ، وفرق بينهما ، ثم أكذب نفسه ، ردت إليه امرأته ما كانت في العدة .
[ ص: 440 ] فهذا عندنا - والله أعلم - يدل على أن مذهب سعيد أن الطلاق الذي يقع على المرأة بالفرقة في اللعان طلاق لا يبينها منه حتى تنقضي عدتها ، ويوجب لها رجعتها إلى انقضاء عدتها ولا نعلم أحدا من أهل العلم وافقه على هذا القول .
فأما فكان يذهب - كما ذكرنا عنه - أنهما لا يجتمعان أبدا ، إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للملاعن في حديث الشافعي عن ابن جبير ، : لا سبيل لك عليها وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم . ابن عمر
قال : فلما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول ، ولم يقل : ما لم تكذب نفسك ، دل ذلك على ارتفاع سبيله عنها أبدا ، ولو كان أراد بذلك أنها حرام عليه إلى مدة ما لذكر ذلك ، كما قال الله عز وجل : ( الشافعي فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) .
وكان من الحجة عليه لمخالفيه في هذا : أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للملاعن : لا سبيل لك عليها يحتمل أن يكون لا سبيل لك عليها إذ كنت على هذا القول الذي يمنع من بقاء النكاح إذا رجعت عنه وقد وجدنا مثل ذلك في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله لأم حبيبة لما قالت له : هل لك في أختي ؟ : إنها لا تحل لي وقد ذكرنا ذلك في باب الرضاع من كتبنا هذه ، فلم يكن قوله صلى الله عليه وسلم : إنها لا تحل لي يريد بذلك أنها لا تحل له أبدا ، وإنما أراد أنها لا تحل لي ما كنت أنت عندي ، وما كان نكاحي عليك ، وما لم تنقض عدتك مني ، فكذلك قوله : لا سبيل لك عليها لا يوجب رفع سبيله عنها أبدا حتى لا يكونا زوجين في المستأنف .
وقد كان بهذا القول أولى من غيره ، لأن من أصله أن من روى حديثا كان أعلم بتأويله ، فهذا إنما رواه الشافعي سعيد ، وقد قال سعيد في الملاعن إذا أكذب نفسه ردت إليه امرأته ما كانت في العدة ، فلم يجعل ذلك السبيل كما تأول في حديثه . الشافعي
وكذلك فقد ذكرنا عنه مضي السنة أن لا يجتمعان أبدا ، وقد روي عنه ما : الزهري
[ ص: 441 ] 2007 - حدثنا ، قال حدثنا يحيى بن عثمان نعيم ، قال حدثنا ، قال حدثنا ابن المبارك يونس ، عن ، الزهري
لا يتراجعان أبدا إلا أن يكذب نفسه فيجلد الحد ، وتظهر براءتها ، فلا جناح عليه أن يتراجعا . في المتلاعنين :
فعلمنا بذلك أن معنى قوله : مضت السنة أنهما لا يجتمعان أبدا أي ما كان الزوج مقيما على قوله ، وثابتا على الحال الأولى التي لاعن عليها .
وكذلك ما ذكرناه عن ، عمر ، وعلي رضي الله عنهم في ذلك ، أنهما لا يجتمعان أبدا هو عندنا - والله أعلم - ما كانا على الحال التي يلاعنا عليها فأما إذا زالا عنها بشيء مما ذكرنا ، وصار إلى حال لو كانا صارا إليها قبل الملاعنة لم يتلاعنا ، ذهبت الحرمة التي كانت وجبت ، لأن اللعان إنما كان مضى عليهما الحكم بزوال النكاح عنهما بثبوتهما على ما كانا عليه من التكاذب فيما ادعاه الزوج على المرأة من الزنا الذي رماها به فأما لو تصادقا عليه فحدت المرأة ، وحدثت حادثة تمنع اللعان ، لم يتلاعنا ، وبقيا عن زوجين على حالهما ، فكان القياس أن تكون تلك الحادثة إذا حدثت بعد اللعان أن تطلق الحرمة التي كان اللعان أوجبها فهذا هو القياس عندنا ، والله أعلم . وعبد الله
وأما قوله عز وجل : ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) ، فإن العذاب المذكور في هذه الآية من المتشابه المختلف في المراد به ما هو ، فطائفة تقول : هو الحبس حتى يلاعن كما لاعن الزوج وممن قال ذلك ، أبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد .
وطائفة تقول : هو الحد وممن قال ذلك . الشافعي
ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه ، فوجدنا الحدود المتفق على وجوبها إنما يجب بالإقرارات أو بالبيانات الواجب بها إقامتها ، لا بما سوى ذلك ، فكان القياس أن لا يقام الحد على المرأة إلا بواحد من هذين الوجهين .
[ ص: 442 ]