958 - 5 حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، قال : حدثني القاسم بن هاشم ، حدثنا حدثنا الحكم بن نافع ، عن صفوان بن عمرو ، عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي ، - رحمه الله [ ص: 1446 ] تعالى - : " ذا القرنين أتى على أمة من الأمم ، ليس في أيديهم شيء مما يستمتع الناس به من دنياهم ، قد احتفروا قبورا ، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور ، فكنسوها وصلوا عندها ، ورعوا البقل كما ترعى البهائم ، وقد قيض لهم معاش من نبات الأرض ، فأرسل إن ذو القرنين إلى ملكهم : " أجب الملك ذا القرنين " ، فقال : ما لي إليه حاجة ، فأقبل ذو القرنين ، فقال : إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت ، فها أنا قد جئتك . فقال له : لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك ، فقال له ذو القرنين : ما لي أراكم على الحال الذي رأيت ، لم أر أحدا من الأمم عليها ؟ فقالوا : وما ذاك ؟ قال : ليس لكم دنيا ولا شيء ، أما اتخذتم الذهب والفضة ، فاستمتعتم بهما ؟ فقالوا : إنما كرهناهما ؛ لأن أحدا لم يعط منهما شيئا ، إلا تاقت نفسه ، ودعته إلى أفضل منهما . قال : ما بالكم احتفرتم قبورا ، فإذا أصبحتم تعاهدتموها ، فكنستموها وصليتم عندها ؟ ؛ قالوا : أردنا إذا نظرنا إليها ، فأملنا الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل ، قال : أراكم لا طعام لكم إلا البقل من الأرض ، فلا اتخذتم البهائم من الأنعام ما حلبتموها وركبتموها ، واستمتعتم بها ؟ ؛ فقالوا : كرهنا أن نجعل بطوننا لها قبورا ، ورأينا أن في نبات الأرض بلاغا ، وإنما يكفي ابن آدم أدنى العيش من الطعام ، وإن ما جاوز الحنك منه لم نجد له طعما كائنا ما كان من الطعام .
ثم تناول ملك تلك الأمة بيده خلف ذي القرنين ، فتناول جمجمة ، فقال : يا ذا القرنين ، أتدري من هذا ؟ قال : لا ، ومن هو ؟ قال : هذا ملك من ملوك الأرض ، أعطاه الله سلطانا على أهل الأرض ، فغشم وظلم ، وعتا ، فلما رأى الله - عز وجل - ذلك حسمه بالموت ، فصار [ ص: 1447 ] كالحجر الملقى ، قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه في آخرته ، ثم تناول جمجمة أخرى بالية ، فقال : يا ذا القرنين ، أتدري من هذا ؟ قال : ومن هو ؟ قال : ملك ملكه الله تعالى بعده ، قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم ، والغشم ، والتجبر ، فتواضع لله وخشع لله ، وعمل بالعدل في أهل مملكته ، فصار كما ترى ، قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه في آخرته ، ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين ، فقال : وهذه الجمجمة كأن قد كانت كهاتين ، فانظر يا ذا القرنين ! ما أنت صانع ، فقال له ذو القرنين : هل لك في صحبتي ، فأتخذك أخا ووزيرا ، وشريكا فيما آتاني الله تعالى من هذا المال ؟ قال : ما أصلح ، أنا وأنت في مكان ، ولا أن نكون جميعا . قال ذو القرنين : ولم ؟ قال : من أجل أن الناس كلهم لك عدو ، ولي صديق . قال : وعم ذلك ؟ ؛ قال : يعادونك لما في يديك من الملك والمال ، ولا أجد أحدا يعاديني لرفضي ذلك ؛ ولما عندي من الحاجة ، وقلة الشيء ، فانصرف عنه ذو القرنين " .