حديث العنقاء
1917 - حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء ، قال : حدثنا أبو أيوب عبد الوهاب بن عمرو ، قال : حدثني علي بن الحسن بن هارون ، قال : حدثني أحمد بن عباد ، قال : حدثنا إسحاق بن عيسى ، عن زهير السلولي ، عن قال : " كانت العنقاء عند داود بن أبي هند ، سليمان بن داود عليه السلام ، سليمان قد علم كلام الطير وسخرت له الشياطين ، وأعطي ما لم يعط أحد ، فذكر عنده القضاء والقدر ، وكانت العنقاء حاضرة ، فقالت العنقاء : وأي شيء القضاء والقدر ما يغني شيئا ، وقيل وكان لسليمان بن داود : إنه يولد في المشرق جارية ويولد في المغرب غلام في يوم واحد وساعة واحدة ، وأنهما يجتمعان على الفجور ، فقالت العنقاء : إن هذا لا يكون ، وكيف يكون وهذا بالمغرب وهذه بالمشرق ؟ فقال لها سليمان : إن ذلك يكون بالقضاء والقدر ، قالت : لا أقبل ذلك ، أنا آخذ الجارية فأصيرها في موضع لا يصل إليها مخلوق وأحفظها حتى يكون ذلك الوقت الذي ذكرتم أنهما يلتقيان فيه ، فقال سليمان : اذهبي فخذي الجارية وتحرزي بما قدرت ، فإذا كان ذلك الوقت أمرناك أن تجيئي بالجارية ونجيء نحن بالغلام ، فانطلقت العنقاء فاحتملت الجارية حتى صيرتها في جزيرة من جزائر البحر ، وكان في تلك الجزيرة جبل عظيم في رأسه قلة ، لا يصل إليها مخلوق ، في ذلك الرأس كهف فصيرت الجارية في ذلك الكهف ، ثم جعلت [ ص: 282 ] تختلف إليها حتى كبرت وشبت وصارت امرأة ، ثم إن الغلام لم يزل يشب وينشو حتى صار رجلا ، فركب في البحر في سفينة ومعه فرس فلما انتهى إلى تلك الجزيرة كسر به فخرج هو وفرسه إلى تلك الجزيرة وغرقت السفينة ، فلم ينج منها أحد غيره ، فبينا هو يدور في تلك الجزيرة ، إذ رفع رأسه فبصر بالجارية وبصرت به ، فدنا منها فكلمها وكلمته ، فأخذ يقلبها وأخذت تقلبه ، فمكثا يطيلان الحيل ليصل كل واحد منهما إلى صاحبه ، فقالت الجارية : إن التي ربتني طير عظيم الشأن ، وليس لك حيلة تصل بها إلي إلا أن تذبح فرسك ، ثم ترمي بما في جوفه في البحر وتدخل أنت فيه ، فإنها إن بصرت بك قتلتك فإني سأسألها أن تحمل الفرس إلي ، فإذا فعلت صرت عندي ، فلما جاءت العنقاء قالت لها الجارية : يا أمه لقد رأيت اليوم في البحر شيئا عجبا لم أر مثله قط ، وقد كانت الجارية سألت الفتى أي شيء هذا تحتك ؟ فقال لها : فرس : فقالت لها العنقاء : وما هو يا بنية ؟ فقالت : ذلك الذي ترين على شط البحر ؟ قالت : يا بنية ، هذا فرس ميت حمله البحر ، فألقاه في هذه الجزيرة ، فقالت : يا أمه فجيئيني به حتى أنظر إليه وألهو به وأمسه بيدي ، فانطلقت العنقاء فاحتملت الفرس والفتى فيه حتى وضعته بين يدي الجارية ثم انطلقت العنقاء إلى سليمان لتخبره أن الوقت قد مضى وأنه لم يكن من القضاء الذي ذكر شيء ، وأن القضاء والقدر باطل ، وإن الفتى خرج من بطن الفرس فواقع الجارية فلما صارت العنقاء عند سليمان وكان قالت : يا سليمان ويكون ما قلتم ، وقد كان الوقت الذي أخبرتني أنه يكون ويجتمعان فيه ويكون الفجور ، وقد مضى الوقت ، فقال أليس زعمت أن القضاء والقدر ينفع ويضر سليمان : قد اجتمعا ، وكان منهما ما أخبرتك أنه يكون ، فقالت العنقاء : إنما جئت من عند الجارية الساعة وما وصل إليها خلق ، فأين الرجل ؟ فقال سليمان : جيئينا بالجارية فإنا نجيئك بالرجل ، [ ص: 283 ] فانطلقت العنقاء إلى الجارية ، فقالت : إن سليمان أرسلني إليك لأحملك إليه ، فقالت الجارية : يا أمه كيف تحمليني وأنا امرأة قد كبرت وثقلت ، وإنما حملتني صغيرة ، وقد كانت الجارية حين أحست بمجيء العنقاء أمرت الفتى ودخل في جوف الفرس ، ثم قالت الجارية للعنقاء : يا أمه إن كنت لا بد فاعلة ، فإني أدخل في جوف هذا الفرس ثم تحمليني ، فإن وقعت لم يضرني شيء ، فقالت العنقاء : صدقت يا بنية ، فدخلت الجارية في جوف الفرس فاحتملتها حتى وضعتها بين يدي سليمان فقالت : هذه الجارية فأين الرجل ؟ فقال سليمان : قولي للجارية تخرج ، فقالت للجارية : اخرجي ، فخرجت ، فقال سليمان للرجل : اخرج فقد جاءت بك تحملك على رغم أنفها على ظهرها ، فخرج الفتى فاستحيت العنقاء ، فهربت على وجهها فلم ير لها أثر حتى الساعة " .