[ ص: 205 ] الجزء الثاني عشر
وصلى الله على
محمد وعلى
آل محمد وسلم .
أخبرنا الشيخ الإمام
أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن الزاغواني بمدينة السلام بنهر معلى في الخريم قال :
[ ص: 206 ] أخبرنا الشيخ
أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن البسري بباب المراتب ، قال : أخبرنا
أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة إجازة :
nindex.php?page=treesubj&link=29426_29626 " الحمد لله الأول القديم الذي لم يزل ، الدائم
[ ص: 207 ] الباقي إلى غير أجل ، خلق الخلق بقدرته حجة
[ ص: 208 ] لنفسه ، ودلالة على ربوبيته ، فإنه ليس كمثله شيء ، تفرد بالإنشاء ، وجل عن شبه الأشياء ، سبحانه عما يصفه به
[ ص: 209 ] المشركون ، ويقول فيه العادلون . وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، شهادة من أخلص لربه ، وخلع الأنداد من دونه . وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله أرسله على فترة من الرسل ،
[ ص: 210 ] ودروس من الوحي في أعقاب المرسلين ، وحجة على العالمين ، والخلق في جاهلية جهلاء ، صم بكم عن الهدى ، متمسكون بعروة الضلالة والردى ؛ فدعاهم إلى توحيد الله عز وجل ، والإقرار له بربوبيته ، واتباع أمره ،
[ ص: 211 ] فصبر منهم على الأذى ، حتى ظهرت حجة الله على خلقه ، وأخلص له التوحيد ، وعلا دين الله على كل دين . ثم توفاه الله بعد تبليغه رسالات ربه ، والقيام لله في خلقه بحقه . فصلى الله عليه أفضل ما صلى على أحد من خلقه ، وأعطاه أفضل ما أعطى العالمين ، وغاية رغبة الراغبين ، وجزاه الله خير ما جزى به المحسنين ، وصلى الله على أهل بيته الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين ، وأزواجه أمهات
[ ص: 212 ] المؤمنين ، وجعلنا بالإحسان لهم من التابعين ، ثم على إثر ذلك ، فإني أجعل أمام القول إيعاز النصيحة إلى إخواني المسلمين بأن يتمسكوا بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من علماء المسلمين ، الذين شرح الله بالهدى صدورهم ، وأنطق بالحكمة ألسنتهم ، وضرب عليهم سرادق
[ ص: 213 ] عصمته ، وأعاذهم من كيد إبليس وفتنته ، وجعلهم رحمة وبركة على من اتبعهم ، وأنسا وحياة لمن سلك طريقهم ، وحجة وعمى على من خالفهم . قال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=115ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .
وأحذرهم مقالة
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان وشيعته الذين أزاغ الله قلوبهم ، وحجب عن سبل الهدى أبصارهم ، حتى افتروا على الله عز وجل بما تقشعر منه الجلود ، وأورث القائلين به نار الخلود ، فزعموا أن القرآن مخلوق ، والقرآن من علم الله تعالى ، وفيه صفاته العليا وأسماؤه الحسنى ، فمن زعم أن القرآن مخلوق ، فقد زعم أن الله كان ولا علم ، ومن زعم أن أسماء الله وصفاته
[ ص: 214 ] مخلوقة ، فقد زعم أن الله مخلوق محدث ، وأنه لم يكن ثم كان ، تعالى الله عما تقوله الجهمية الملحدة علوا كبيرا ، وكلما تقوله وتنتحله فقد أكذبهم الله عز وجل في كتابه ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي أقوال أصحابه ، وإجماع المسلمين في السابقين والغابرين ؛ لأن الله عز وجل لم يزل عليما سميعا بصيرا متكلما ، تاما بصفاته العليا وأسمائه الحسنى ، قبل كون الكون ، وقبل خلق الأشياء ، لا يدفع ذلك ولا ينكره إلا الضال الجحود الجهمي المكذب
[ ص: 215 ] بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . وسنذكر من كتاب الله وسنة نبيه وإجماع المسلمين ما دل على كفر الجهمي الخبيث وكذبه ، ما إذا سمعه المؤمن العاقل العالم ازداد به بصيرة وقوة وهداية ، وإن سمعه من قد داخله بعض الزيغ والريب ، وكان لله فيه حاجة وأحب خلاصه وهدايته نجاه ووقاه ، وإن كان ممن قد كتبت عليه الشقوة زاده ذلك عتوا وكفرا وطغيانا .
ونستوفق الله لصواب القول وصالح العمل .
[ ص: 216 ]
[ ص: 205 ] الَجْزُءُ الثَّانِي عَشَرَ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى
آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ .
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الزَّاغَوَانِيُّ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ بِنَهْرِ مُعَلًّى فِي الْخَرِيمِ قَالَ :
[ ص: 206 ] أَخْبَرْنَا الشَّيْخُ
أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيِّ بِبَابِ الْمَرَاتِبِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْدَانَ بْنِ بَطَّةَ إِجَازَةً :
nindex.php?page=treesubj&link=29426_29626 " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ الْقَدِيمِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ ، الدَّائِمِ
[ ص: 207 ] الْبَاقِي إِلَى غَيْرِ أَجَلٍ ، خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ حُجَّةً
[ ص: 208 ] لِنَفْسِهِ ، وَدَلَالَةً عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، تَفَرَّدَ بِالْإِنْشَاءِ ، وَجَلَّ عَنْ شِبْهِ الْأَشْيَاءِ ، سُبْحَانَهُ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ
[ ص: 209 ] الْمُشْرِكُونَ ، وَيَقُولُ فِيهِ الْعَادِلُونَ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، شَهَادَةَ مَنْ أَخْلَصَ لِرَبِّهِ ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ مِنْ دُونِهِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ،
[ ص: 210 ] وَدُرُوسٍ مِنَ الْوَحْيِ فِي أَعْقَابِ الْمُرْسَلِينَ ، وَحُجَّةً عَلَى الْعَالَمِينَ ، وَالْخَلْقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ جُهَلَاءَ ، صُمٌّ بُكْمٌ عَنِ الْهُدَى ، مُتَمِسِّكُونَ بِعُرْوَةِ الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى ؛ فَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالْإِقْرَارِ لَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ ، وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ ،
[ ص: 211 ] فَصَبَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى ، حَتَّى ظَهَرَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ، وَأَخْلَصَ لَهُ التَّوْحِيدَ ، وَعَلَا دِينُ اللَّهِ عَلَىَ كُلِّ دِينٍ . ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ رِسَالَاتِ رَبِّهِ ، وَالْقِيَامِ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ بِحَقِّهِ . فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مَا صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَعْطَاهُ أَفْضَلَ مَا أَعْطَى الْعَالَمِينَ ، وَغَايَةَ رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ ، وَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرَ مَا جَزَى بِهِ الْمُحْسِنِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَأَصْحَابِهِ الْمُنْتَجِبِينَ ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ
[ ص: 212 ] الْمُؤْمِنِينَ ، وَجَعَلَنَا بِالْإِحْسَانِ لَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ، ثُمَّ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ ، فَإِنِّي أَجْعَلُ أَمَامَ الْقَوْلِ إِيعَازَ النَّصِيحَةِ إِلَى إِخْوَانِي الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، الذَّيِنَ شَرَحَ اللَّهُ بِالْهُدَى صُدُورَهُمْ ، وَأَنْطَقَ بِالْحِكْمَةِ أَلْسِنَتَهُمْ ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ سُرَادِقَ
[ ص: 213 ] عِصْمَتِهِ ، وَأَعَاذَهُمْ مِنْ كَيْدِ إِبْلِيسَ وَفِتْنَتِهِ ، وَجَعَلَهُمْ رَحْمَةً وَبَرَكَةً عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُمْ ، وَأُنْسًا وَحَيَاةً لِمَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُمْ ، وَحُجَّةً وَعَمًى عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=115وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
وَأُحَذِّرُهُمْ مَقَالَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=15658جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَشِيعَتِهِ الَّذِينَ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ، وَحَجَبَ عَنْ سُبُلِ الْهُدَى أَبْصَارَهُمْ ، حَتَّى افْتَرُوا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ ، وَأَوْرَثَ الْقَائِلِينَ بِهِ نَارَ الْخُلُودِ ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ ، وَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهِ صِفَاتُهُ الْعُلْيَا وَأَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ وَلَا عِلْمَ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَصِفَاتَهُ
[ ص: 214 ] مَخْلُوقَةٌ ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا تَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ الْمُلْحِدَةُ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَكُلَّمَا تَقُولُهُ وَتَنْتَحِلُهُ فَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ، وَفِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي أَقْوَالِ أَصْحَابِهِ ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي السَّابِقِينَ وَالْغَابِرِينَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ عَلِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا ، تَامًّا بِصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، قَبْلَ كَوْنِ الْكَوْنِ ، وَقَبْلَ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ ، لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا الضَّالُّ الْجَحُودُ الْجَهْمِيُّ الْمُكَذِّبُ
[ ص: 215 ] بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَسَنَذْكُرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا دَلَّ عَلَى كُفْرِ الْجَهْمِيِّ الْخَبِيثِ وَكَذِبِهِ ، مَا إِذَا سَمِعَهُ الْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ الْعَالِمُ ازْدَادَ بِهِ بَصِيرَةً وَقُوَّةً وَهِدَايَةً ، وَإِنْ سَمِعَهُ مَنْ قَدْ دَاخَلَهُ بَعْضُ الزَّيْغِ وَالرَّيْبِ ، وَكَانَ لِلَّهِ فِيهِ حَاجَةٌ وَأَحَبَّ خَلَاصَهُ وِهَدَايَتَهُ نَجَّاهُ وَوَقَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ قَدْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ زَادَهُ ذَلِكَ عُتُوًّا وَكُفْرًا وَطُغْيَانًا .
وَنَسْتَوْفِقُ اللَّهَ لِصَوَابِ الْقَوْلِ وَصَالِحِ الْعَمَلِ .
[ ص: 216 ]