471 - حدثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف ، قال : حدثنا أبو بكر بن [ ص: 304 ] فردة ، قال : حدثنا إسحاق بن يعقوب ، قال : حدثني محمد بن غزوان ، قال : سألت عن قول الله تعالى : الأصمعي وكلم الله موسى تكليما ، قال : " تأكيدا لكلامه ، يريد أنه لا ترجمان بينهما ولا رسول " ، قلت : فما موضعه من الكلام ؟ قال : " كقول الرجل : لأضربنك ضربا ، ولأفعلن بك فعلا .
ثم قال تعالى : يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ، ففصل بين الرسالة والكلام ، لأن جميع رسل الله وأنبيائه إنما أرسلهم الله بالوحي . فلولا ما خص الله تعالى به موسى من الكلام الذي لا ترجمان بينه وبينه فيه ، لما ، قال : وبكلامي ، ولما كان له هناك فضيلة ومزية على غيره ممن لم يكلمه الله ولم يخصه بما خص به موسى ، ولكن الجهمية لا بمشاهدة علموا ما يدعون ، ولا بما أخبر الله عن نفسه في كتابه يصدقون ، ولا ما قاله صلى الله عليه وسلم وصحابته يقبلون ، ولا في جملة أهل الإسلام يدخلون ، ولا لكلام العرب وفصيح اللسان يعرفون ، فهم لأهوائهم يعبدون ، وبالمعقول من غير عقد صحيح يدينون ، وتعالى الله علوا كبيرا عما يقولون .
فأما قولهم : أن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم ولسان وشفتين ، أفترى [ ص: 305 ] الجوارح التي تشهد على أهلها يوم القيامة بما كانوا يعلمون ، حتى تنطق بكلام مفهوم وأمر معلوم ، فهل كان لها جوف وألسنة وشفاه ولهوات ؟ فإن الله تعالى قد أخبرنا بذلك ، فقال : حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء .
فالذي أنطق كل شيء من غير الحيوان الناطق من غير جوف ولا لسان ولا شفتين قادر أن يتكلم هو بما شاء كيف شاء لمن شاء ، ولا نقول بلسان ولا بجوف ولا شفتين .
قد أخبرنا أن الملائكة صمد روحانيون ، لا أجواف لهم : يسبحون الليل والنهار لا يفترون .
وقال : ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته .
وقد أخبرنا عن الجبال أنها تسبح ، فقال : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن .
وقد قال : يا جبال أوبي معه والطير .
وقد أخبرنا عن السماء والأرض كذلك ، فقال : ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين . [ ص: 306 ]
ومثل هذا في كتاب الله كثير ، ولكن الجهمية الملحدة تجحده كله وتنكره ، فتجحد القرآن وترد الآثار ، موسى كلاما بصوت تسمعه الأذنان وتعيه القلوب ، لا واسطة بينهما ، ولا ترجمان ولا رسول ، فقد كفر بالله العظيم وجحد بالقرآن ، وعلى إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن تاب ورجع عن مقالته ، وإلا ضرب عنقه ، فإن لم يقتله الإمام وصح عند المسلمين أن هذه مقالته ، ففرض على المسلمين هجرانه وقطيعته ، فلا يكلمونه ، ولا يعاملونه ، ولا يعودونه إذا مرض ، ولا يشهدونه إذا مات ، ولا يصلى خلفه ، ومن صلى خلفه ، أعاد الصلاة ، ولا تقبل شهادته ، ولا يزوج ، وإن مات ، لم ترثه عصبته من المسلمين إلا أن يتوب " . فمن أنكر أن الله كلم