الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              330 - حدثنا أبو القاسم ، قال : حدثنا أبو حاتم ، قال : حدثنا [ ص: 415 ] الحسن بن محمد ، وأبو حفص الصيرفي ، وعبيد الله بن سعد الزهري ، قالوا : حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال : حدثنا الجعد ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد ، قال : أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقيل : يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلا سأل عن تأويل القرآن ، فقال عمر : اللهم مكني منه ، فبينا عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاءه عليه ثياب فتغدى حتى إذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين ، والذاريات ذروا فالحاملات وقرا . فقال عمر : أنت هو ، فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ، ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم ثم ليقم خطيبا ثم ليقل إن صبيغا . . . . . . أخطأه فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيدهم . قال أبو حاتم : ولم يقل أبو حفص في حديثه ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم .

              قال الشيخ : وعسى الضعيف القلب القليل العلم من الناس إذا [ ص: 416 ] سمع هذا الخبر وما فيه من صنيع عمر رضي الله عنه أن يتداخله من ذلك ما لا يعرف وجه المخرج عنه فيكثر هذا من فعل الإمام الهادي العاقل رحمة الله عليه فيقول : كان جزاء من سأل عن معاني آيات من كتاب الله عز وجل أحب أن يعلم تأويلها أن يوجع ضربا وينفى ويهجر ويشهر وليس الأمر كما يظن من لا علم عنده ولكن الوجه فيه غير ما ذهب إليه الذاهب وذلك أن الناس كانوا يهاجرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويفدون إلى خلفائه من بعد وفاته رحمة الله عليهم ليتفقهوا في دينهم ويزدادوا بصيرة في إيمانهم ويتعلموا علم الفرائض التي فرضها الله عليهم فلما بلغ عمر رحمه الله قدوم هذا الرجل المدينة وعرف أنه سأل عن متشابه القرآن وعن غير ما يلزمه طلبه مما لا يضره جهله ولا يعود عليه نفعه وإنما كان الواجب عليه حين وفد على إمامه أن يشتغل بعلم الفرائض والواجبات والتفقه في الدين من الحلال والحرام فلما بلغ عمر رحمه الله أن مسائله غير هذا علم من قبل أن يلقاه أنه رجل بطال القلب خالي الهمة عما افترضه الله عليه مصروف العناية إلى ما لا ينفعه فلم يأمن عليه أن يشتغل بمتشابه القرآن والتنقير عما لا يهتدي عقله إلى فهمه فيزيغ قلبه فيهلك فأراد عمر رحمه الله أن يكسره عن ذلك ويذله ويشغله عن المعاودة إلى مثل ذلك . فإن قلت : فإنه قال : لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك .

              فمن حلق رأسه يجب عليه ضرب العنق فإني أقول لك من مثل هذا أتي الزائغون وبمثل هذا بلي المنقرون الذين قصرت هممهم وضاقت أعطانهم عن فهم أفعال الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين فلم يحسوا بموضع العجز من أنفسهم فنسبوا النقص والتقصير إلى (سلفهم) وذلك أن عمر رضي الله عنه قد كان سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : [ ص: 417 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية