19 - فإذا فعمرو موقوف عليه في حياة زيد لأنه معين قصده الواقف بخصوصه وسماه وعينه ، وليس من أهل الوقف حتى يوجد شرط استحقاقه ، وهو موت زيد وأولاده إذا آل إليهم الاستحقاق ، كل واحد منهم من أهل الوقف . ولا يقال في كل واحد إنه موقوف عليه بخصوصه لأنه لم يعينه الواقف ، وإنما الموقوف عليه جملة الأولاد كالفقراء . قال : فتبين بذلك أن ابن عبد القادر والد عبد الرحمن لم يكن من أهل الوقف أصلا ولا موقوفا عليه ، لأن الواقف لم ينص على اسمه . قال : وقد يقال : إن المتوفى في حياة أبيه يستحق أنه لو مات أبوه جرى عليه الوقف فينقل هذا الاستحقاق إلى أولاده . قال : وهذا قد كنت في وقت أبحته ثم رجعت عنه . فإن قلت : قد قال الواقف إن من مات عن أهل الوقف قبل استحقاقه لشيء فقد سماه من [ ص: 408 ] أهل الوقف ، مع عدم استحقاق فيدل على أنه أطلق أهل الوقف على من لم يصل إليه الوقف " فيدخل محمد والد عبد الرحمن وملكة في ذلك فيستحقان . 20 - وقف مثلا على زيد ثم على عمرو ثم على أولاده
ونحن إنما نرجع في الأوقاف إلى ما دل عليه لفظ واقفيها سواء وافق ذلك عرف الفقهاء أم لا . قلت لا نسلم مخالفة ذلك لما قلناه ، أما أولا ، فلأنه لم يقل قبل استحقاقه وإنما قال قبل استحقاقه لشيء ، فيجوز أن يكون قد استحق شيئا صار به من أهل الوقف ويترتب استحقاقا آخر فيموت قبله ، فنص الواقف على أن ولده يقوم مقامه في ذلك الشيء الذي لم يصل [ ص: 409 ] إليه ، ولو سلمنا أنه قال قبل استحقاقه ، فيحتمل أن يقال : إن الموقوف عليه أو البطن الذي بعده ، وإن وصل إليه الاستحقاق ، أعني أنه صار من أهل الوقف ، قد يتأخر استحقاقه إما لأنه مشروط بمدة كقوله : في سنة كذا فيموت في أثنائها أو ما أشبه ذلك . فيصح أن يقال : إن هذا من أهل الوقف ، وإلى الآن ما استحق من الغلة شيئا إما لعدمها أو لعدم شرط الاستحقاق بمضي الزمان أو غيره . هذا حكم الوقف بعد موت عبد القادر ، فلما توفي عمرو عن غير نسل 21 -
انتقل نصيبه إلى إخوته عملا بشرط الواقف لمن في درجته ، فيصير نصيب عبد القادر كله بينهما أثلاثا ; لعلي الثلثان وللطيفة الثلث ، ويستمر حرمان عبد الرحمن وملكة ، فلما ماتت لطيفة انتقل نصيبها ، وهو الثلث ، إلى ابنتها فاطمة ولم ينتقل إلى عبد الرحمن وملكة شيء لوجود أولاد عبد القادر وهم يحجبونهما ; لأنهم أولاده ، وقد قدمهم على أولاد الأولاد الذين هما منهم . ولما توفي علي بن عبد القادر وخلف بنته زينب ، احتمل أن يقال : نصيبه كله وهو ثلثا نصيب عبد القادر لها ، عملا بقول الواقف : من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه لولده . وتبقى هي وبنت عمتها مستوعبتين نصيب جدهما ; لزينب ثلثاه ، ولفاطمة ثلثه . واحتمل أن يقال : إن نصيب [ ص: 410 ] عبد القادر كله يقسم على أولاده الآن عملا بقول الواقف ، ثم على أولاده ثم على أولاد أولاده ، فقد أثبت الجميع أولاد الأولاد استحقاقا بعد الأولاد ، وإنما حجبنا عبد الرحمن وملكة ، وهما من أولاد الأولاد بالأولاد ، فإذا انقرض الأولاد زال الحجب فيستحقان ويقسم نصيب عبد القادر بين جميع أولاد أولاده ، فلا يحصل لزينب جميع نصيب أبيها ، وينقص ما كان بيد فاطمة بنت لطيفة . وهذا أمر اقتضاه النزول الحادث بانقراض طبقة الأولاد المستفاد من شرط الواقف ; إن أولاد الأولاد بعدهم فلا شك أن فيه مخالفة لظاهر قوله : أن من مات فنصيبه لولده ، فإن ظاهره يقتضي أن نصيب علي لبنته زينب ، واستمرار نصيب لطيفة لبنتها فاطمة ، فخالفتاه بهذا العمل فيهما جميعا ، ولو لم نخالف ذلك لزمنا مخالفة قول الواقف : أن بعد الأولاد يكون لأولاد الأولاد ، فظاهره يشمل الجميع . فهذان الظاهران تعارضا ، وهو تعارض قوي صعب ليس في هذا الوقف محل أصعب منه ، وليس الترجيح فيه بالهين بل هو محل نظر الفقيه . 22 -
وخطر لي فيه أطرق : منها أن الشرط المقتضي لاستحقاق أولاد الأولاد جميعهم متقدم في كلام الواقف ، والشرط المقتضي لإخراجهم بقوله : من مات انتقل نصيبه لولده متأخر ، [ ص: 411 ] فالعمل بالمتقدم أولى ; لأن هذا ليس من باب النسخ حتى يقال : العمل بالمتأخر أولى ، ومنها أن ترتيب الطبقات أصل ، وذكر انتقال نصيب الوالد إلى ولده فرع وتفصيل لذلك الأصل ، فكان التمسك بالأصل أولى . ومنها : 23 -
أن من صيغته عامة بقوله : من مات وله ولد . صالح لكل فرد منهم ولمجموعهم ، وإذا أريد مجموعهم كان انتقال نصيب مجموعهم إلى مجموع الأولاد عن مقتضيات هذا الشرط ، فكان إعمالا له من وجه مع إعمال الأول ، وإن لم يعمل بذلك كان إلغاء للأول عن كل وجه ، وهو مرجوح . ومنها إذا تعارض الأمر بين إعطاء بعض الذرية وحرمانهم تعارضا لا ترجيح فيه فالإعطاء أولى . لأنه لا شك أنه أقرب إلى غرض الواقفين . ومنها أن استحقاق زينب لأقل الأمرين ، وهو الذي يخصها ، إذا شرك بينها وبين بقية أولاد الأولاد محقق ، وكذا فاطمة . 24 -
والزائد على المحقق في حقها مشكوك فيه ومشكوك في استحقاق عبد الرحمن وملكة له ، فإذا لم يحصل ترجيح في التعارض بين اللفظين يقسم بينهم ، فيقسم بين عبد الرحمن وملكة وزينب وفاطمة . وهل يقسم للرجل ; مثل حظ [ ص: 412 ] الأنثيين ، فيكون لعبد الرحمن خمساه ولكل واحدة من الإناث خمسه ، نظرا إليهم دون أصولهم ، أو ينظر إلى أصولهم فينزلون منزلتهم لو كانوا موجودين فيكون لفاطمة خمسه ، ولزينب خمساه ، ولعبد الرحمن وملكة خمساه ، فيه احتمال ، وأنا إلى الثاني أميل ، حتى لا يفضل فخذ على فخذ في المقدار بعد ثبوت الاستحقاق ، فلما توفيت فاطمة عن غير نسل والباقون من أهل الوقف ، زينب بنت خالها وعبد الرحمن وملكة ولدا عمها ، وكلهم في درجتها ، وجب قسم نصيبها بينهم ; لعبد الرحمن نصفه ، ولملكة ربعه ، ولزينب ربعه . ولا نقول : هنا ينظر إلى أصولهم لأن الانتقال من مساويهم ومن هو في درجتهم فكان اعتبارهم بأنفسهم أولى ، فأجمع لعبد الرحمن وملكة الخمسان حصلا لهما بموت علي ونصف وربع الخمس الذي لفاطمة بينهما بالفريضة ، فلعبد الرحمن خمس ، ونصف خمس ، وثلث خمس ، ولملكة ثلثا خمس ، وربع خمس ، واجتمع لزينب الخمسان بموت والدها ، وربع خمس فاطمة ، 25 -
فاحتجنا إلى عدد يكون له خمس ولخمسه ثلث وربع وهو ستون ، فقسمنا نصيب عبد القادر عليه لزينب خمساه ، وربع خمسه ، وهو سبعة وعشرون ، ولعبد الرحمن اثنان وعشرون [ ص: 413 ] وهو خمس ونصف خمس وثلث خمس . ولملكة أحد عشر وهي ثلثا خمس وربع خمس . فهذا ما ظهر لي ولا أشتهي لأحد من الفقهاء يقلدني بل ينظر لنفسه . انتهى . كلام السبكي رحمه الله تعالى بحمد الله . 26 -
قلت قائله الأسيوطي الذي يظهر اختياره أولا ; دخول عبد الرحمن وملكة بعد موت عبد القادر عملا بقوله : ومن مات من أهل الوقف إلى آخره . وما ذكره السبكي من أنه لا يطلق عليه أنه من أهل الوقف ممنوع . وما ذكره في تأويل قوله قبل استحقاقه خلاف الظاهر من اللفظ وخلاف المتبادر إلى الأفهام بل صريح كلام الواقف أنه أراد بأهل الوقف الذي مات قبل استحقاقه ، الذي لم يدخل في الاستحقاق بالكلية ولكنه بصدد أن يصير إليه . وقوله لشيء من منافع الوقف دليل قوي لذلك ، 27 -
فإنه نكرة في سياق الشرط وفي سياق كلام معناه النفي فيعم ، لأن المعنى : ولم يستحق شيئا من منافع الوقف . وهذا صريح في رد التأويل الذي قاله ، ويؤيده أيضا قوله : استحق ما كان يستحقه المتوفى لو بقي حيا إلى أن يصير له شيء من منافع [ ص: 414 ] الوقف . فهذه الألفاظ كلها صريحة في أنه مات قبل الاستحقاق ، وأيضا لو كان المراد ما قاله السبكي ، لاستغنى عنه بقوله أولا على أن من مات عن ولد عاد ما كان جاريا عليه على ولده فإنه يغني عنه . ولا ينافي هذا اشتراطه الترتيب في الطبقات بثم ; لأن ذلك عام خصصه هذا كما خصصه أيضا قوله على أن من مات عن ولد إلى آخره ; وأيضا فإنا إذا عملنا بعموم اشتراط الترتيب لزم منه إلغاء هذا الكلام بالكلية وأن لا يعمل في صورة ; لأنه على هذا التقدير إنما يستحق عبد الرحمن وملكة لما استويا في الدرجة أخذا من قوله عاد على من في درجته ، فبقي قوله : ومن مات قبل استحقاقه إلى آخره مهملا لا يظهر له أثر في صورة ، بخلاف ما إذا أعملناه وخصصنا به عموم الترتيب ، فإن فيه إعمالا للكلامين وجمعا بينهما ، وهذا أمر ينبغي أن يقطع به حينئذ .
فنقول : لما مات عبد القادر قسم نصيبه بين أولاده الثلاثة وولدي ولده أسباعا ; ولعبد الرحمن وملكة السبعان أثلاثا ، فلما مات عمرو عن غير نسل انتقل نصيبه إلى أخويه وولدي أخيه ليصير نصيب عبد القادر كله بينهم ، لعلي خمسان ، وللطيفة خمس ، ولعبد الرحمن وملكة خمسان ، أثلاثا . ولما توفيت لطيفة انتقل نصيبها بكماله لبنتها فاطمة . ولما مات علي انتقل نصيبه بكماله لبنته زينب . ولما توفيت فاطمة بنت لطيفة والباقون في درجتها : زينب وعبد الرحمن وملكة ، قسم [ ص: 415 ] نصيبها بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين اعتبارا بهم لا بأصولهم كما ذكره السبكي ، لعبد الرحمن نصفه ، ولكل بنت ربع . فاجتمع لعبد الرحمن بموت عمرو خمس وثلث ، وبموت فاطمة نصف خمس ، ولملكة بموت عمرو ثلثا خمس ، وبموت فاطمة ربع خمس ، فيقسم نصيب عبد القادر ستين جزءا لزينب سبعة وعشرون وهي خمسان وربع خمس ، ولعبد الرحمن اثنان وعشرون وهي خمس ونصف خمس وثلث خمس ، ولملكة أحد عشر وهي ثلثا خمس وربع ، فصح ما قاله السبكي . لكن الفرق بعدم استحقاق عبد الرحمن وملكة والجزم حينئذ بصحة هذه القسمة .
والسبكي تردد فيها وجعلها من باب قسمة المشكوك في استحقاقه ونحن لا نتردد في ذلك .
[ ص: 407 ]