الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 171 ] قولة : وصف الشرط كالشرط يعني أن وصف الشرط يراعى كما يراعى أصله ، ولهذا لو nindex.php?page=treesubj&link=27330قال : إن دخلت الدار راكبة فأنت طالق فدخلت الدار غير راكبة لا تطلق .
( 60 ) قوله : الخبر للصدق وغيره : الخبر بمعنى العلم لغة . في الصحاح يقال : من أين أخبرت هذا الأمر ، أي من أين علمته ، والاسم الخبر بالضم وهو العلم بالشيء ، فمقتضى معناه اللغوي أن يقع على الصدق خاصة ليحصل به معناه وهو العلم إلا أنه كثر استعماله في العرف للكلام الدال على وجود المخبر به صادقا كان أو كاذبا ، ولهذا يقال أخبرني فلان كاذبا والحقيقة العرفية على اللغوية وتأيد هذا بقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } الآية . فلو لم يقع على الكذب كما يقع على الصدق لما أمر بالتبين إذ لو كان للصدق خاصة لم يكن للتبيين معنى والنبأ والخبر واحد .
( 61 ) قوله : إلا أن يصله بالباء . أي الخبر . كأن يقول : إن أخبرتني بقدوم فلان فعبدي حر ، فأخبره يشترط للحنث صدقه علم المخبر أم لا ، بخلاف ما لو nindex.php?page=treesubj&link=7433قال : عبده حر إن أخبرتني أن فلانا قدم ، فأخبره بذلك عتق العبد صادقا كان المخبر أو كاذبا ; لأنه علق العتق بالإخبار وقد وجد والفرق من وجهين أحدهما أنه علق العتق هناك بخبر موصوف بصفة وهو أن يكون ملصقا بقدومه فاقتضى ذلك وجود القدوم لا محالة ليتحقق الإلصاق ، وهنا اشترط لحنث الخبر عن قدومه مطلقا وقد وجد ، والثاني أن كون الخبر يقع عن الصدق والكذب باعتبار أنه لمعنى القول بدليل أنه يصح أن يقال إن قلت لي إن فلانا قدم فعبدي حر ، والقول يكون صدقا وكذبا فانتظمها اليمين فكذا الخبر الذي هو بمعناه .
أما الموصول بالباء فلا يصح أن يكون في معنى القول فلا يصح أن تقول : إن قلت بقدوم فلان فلم يكن كالإخبار الساذج . [ ص: 172 ]
( 62 ) قوله : وكذا الكتابة أي الكتابة كالخبر يقع على الصدق والكذب ; لأن الإخبار تارة يكون باللسان وتارة يكون بالقلم فكما أن الخبر وهو الكلام الدال على وجود المخبر به لا يتوقف على الصدق ، فكذا الكتابة إذ هي عبارة عن ضم بعض الحروف إلى بعض فإذا كتب إليه فقد حصلت الحقيقة المحلوف عليها وحصول العلم من ثمراتها وبانعدام الثمرة لا ينعدم الأصل كالخبر ، فلو قال : إن كتبت إلي أن فلانا قدم فعبدي حر ، لا يشترط الصدق حتى لو كتب إليه أنه قدم فلم يصل الكتاب إليه حتى قدم أو وصل قبل قدومه عتق العبد ; لأنه علق عتقه بمطلق وقد وجد .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=7433قال : إن كتبت إلي بقدوم فلان فعبدي حر ، فهو على الكتابة بالصدق فلو كتب إليه بعد قدومه والكاتب لا يعلم بذلك عتق العبد بلغ الكتاب إلى الحالف أو لا ; لأن شرطه أن يكون صادقا وقت الكتابة ولا يشترط عمله ولا وصول كتابه .
( 63 ) قوله : والعلم والبشارة على الصدق .
كان حقه أن يقول والأعلام ; لأنه هو المقصود في الباب والواو فيه ابتدائية لا عاطفة وفي البشارة عاطفة عليه . وقوله على الصدق خبرهما أي العلم والبشارة لا يقعان إلا على الصدق ، سواء وصلا بالباء أم لا أما العلم والمراد به الإعلام فهو عبارة عن تحصيل العلم وإحداثه عند المخاطب جاهلا بالمعلم به لتحقق حد العلم عنده وتحصيله لديه وأما البشارة فلأنها اسم لخبر صادق سار تتغير به البشرة وليس عند المبشر علم بالمبشر به وهي وإن كانت في الأصل اسما لخبر يغير بشرة الوجه سارا كان أو ضارا ، لكنه كثر استعماله في التغيير من الفرح حتى صار ذلك حقيقة لا يفهم عند الإطلاق غيرها ، فإن قيل : وجب أن لا يشترط فيها الصدق كالخبر ; لأن تغيير البشرة كما يحصل بالصدق يحصل بالكذب ، قلنا : الخبر إن لم يكن صادقا لا يكون تبشيرا في الحقيقة ; لأن تغيير البشرة ناشئ عن السرور الحاصل في القلب أولا ، وذلك نتيجة الصدق إذ هو لا يتحقق بدونه حتى قيل : إن الخبر السار لا يطلق عليه في الحال اسم البشارة حقيقة لتوهم الكذب وإن كانت البشرة تتغير به ما لم يقف المبشر على حقيقة الأمر ويطلع على كونه صادقا فحينئذ يطلق عليه اسم البشارة حقيقة . [ ص: 173 ]
( 64 ) قوله : في للظرفية وتجعل شرطا للتعذر . كلمة في للظرفية لغة كزيد في الدار والثوب في الجواب فإن أدخلها في ظرف المكان بأن قال أنت طالق في الدار أو في الكوفة يقع في الحال ; لأن الطلاق لا يختص بمكان دون مكان ، فإذا وقع في مكان فهو واقع في الأمكنة كلها فكان تنجيزا ، إلا أن يقول : عنيت إذا دخلت الدار فيصدق ديانة إذ هو محتمل كلامه ; لأنه كنى بالمكان عن الفعل الموجود فيه أو أضمر الفعل في كلامه وكلاهما من طرق المجاز ، فالأول من باب المجاورة كالغائط والثاني من باب جعل المحذوف كالمنطوق ، كقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82واسأل القرية } الآية . وإن أدخلها على ظرف الزمان وهو ماض ، كقوله أنت طالق أمس أو في العام الماضي وقع عليها في الحال ; لأنه لا يملك الإيقاع في زمن الماضي ، وقد وصفها في الحال بطلاق وقع عليها في الماضي فيقع في الحال وكذا إن كان الزمان حاضرا مثل nindex.php?page=treesubj&link=11762قوله : أنت طالق في هذه الساعة أو في هذا الوقت ; لأنه وصفها بصفة موجودة .
وإن كان الزمان مستقبلا لا يقع قبل ذلك الوقت كقوله أنت طالق في غد ; لأن الطلاق يختص بزمان دون زمان ، وذلك أن الطلاق بينه وبين الزمان فلم يختص به لذلك وإذا اختص بالزمان لما ذكرنا ووصفه بزمان لم يقع قبله كما إذا وصفه بشرط فإذا تعذر جعلها للظرفية بأن دخلت على الفعل أعني المصدر كقوله أنت طالق في دخولك الدار تحمل على التعليق ، وهذا معنى قول المصنف رحمه الله تعالى وتجعل شرطا للتعذر وذلك لما بين الظرف والشرط من المناسبة الجامعة وهي أن الظرف يقارن المظروف مقارنة لا يتخلل بينهما معها زمانا ، وكذلك الشرط مع المشروط لكن ذكر هذه المناسبة بين الشرط والظرف فيه تسامح ; لأنه مما يستقيم ذكرها مع المشروط لو حملت كلمة ( في ) عند تعذر الظرفية على التعليق كما ذكر ولم يفعل كذلك بل جعلت عند تعذر الظرفية بمعنى مع ; لأنها تأتي للمقارنة مثل مع كما في قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=29فادخلي في عبادي } وكقولهم دخل الأمير في جيشه أي معهم ، وكلمة مع تفيد التعليق nindex.php?page=treesubj&link=27330كقوله : أنت طالق مع دخولك الدار ، فإنه يتعلق [ ص: 174 ] بالدخول ، فعلم بذلك أنها إنما حملت على التعليق لقيامها مقام مع . فالمناسب إذن ذكر المناسبة بين ( في ) و ( مع ) ثم بين ( مع ) وبين الشرط . لكن اللفظ إذا استعير لغيره يكون العمل للمستعار دون المستعار له عندنا ، والمستعار هنا كلمة ( في ) لا كلمة ( مع ) فلذلك ذكرت المناسبة بين الظرف والشرط . كذا في شرح تلخيص الجامع الكبير للفخر المشروط عقبه كما هو حكم الشرط مع المشروط وليس الأمر كذلك بل يقع معه كما هو حكم المضاف ; فلو قال : ويجعل بمنزلة الشرط لكان أولى وأظهر كما لا يخفى