221 - حدثنا قال : ثنا سليمان بن أحمد محمد بن عمرو بن خالد الحراني قال : حدثنا أبي قال : ثنا عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، قال : عروة بن الزبير لما أفسد الله عز وجل صحيفة مكرهم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فعاشوا وخالطوا الناس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ، ويكلم كل شريف ، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه ، ويقول : لا أكره منكم أحدا على شيء ، من رضي الذي أدعوه إليه قبله ، ومن كرهه لم أكرهه ، إنما أريد أن تحوزوني مما يراد بي من القتل ، فتحوزوني حتى أبلغ رسالات ربي ، ويقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء ، فلم يقبله أحد منهم ، ولا أتى على أحد من تلك القبائل إلا قالوا : قوم الرجل أعلم به ، أفترى رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ؟ وذلك لما ادخر الله عز وجل للأنصار من البركة .
ومات أبو طالب وازداد من البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة ، فعمد إلى ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه ، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف ، وهم إخوة : عبد ياليل بن عمرو ، وحبيب بن عمرو ، ومسعود بن عمرو ، فعرض عليهم نفسه ، وشكا إليهم البلاء وما انتهك قومه منه ، فقال أحدهم : أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط ، وقال الآخر : ، والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبدا لئن كنت رسولا لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك ، وقال الآخر : أعجز الله أن يرسل غيرك ؟ ! ! وأفشوا ذلك في ثقيف - الذي قال لهم - واجتمعوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 296 ] ، وقعدوا له صفين على طريقه ، فأخذوا بأيديهم الحجارة ، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة ، وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون ، عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، فلما أبصرهما كره أن يأتيهما ؛ لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله ، وبه الذي به ، فأرسلا إليه غلامهما " عداسا " بعنب ، وهو نصراني من أهل نينوى ، فلما أتاه وضع العنب بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بسم الله ، فعجب عداس ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أي أرض أنت يا عداس ؟ قال : أنا من أهل نينوى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أهل مدينة الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال له عداس : وما يدريك من يونس بن متى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس ما عرف ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا يبلغه رسالات الله تعالى ، قال : يا رسول الله أخبرني خبر يونس بن متى ، فلما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس بن متى ما أوحي إليه من شأنه خر ساجدا للرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم جعل يقبل قدميه ، وهما تسيلان الدماء ، فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلامهما سكتا ، فلما أتاهما قالا له : ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت هذا بأحد منا ؟ قال : هذا رجل صالح حدثني عن أشياء عرفتها من شأن رسول بعثه الله تعالى إلينا يدعى يونس بن متى ، فأخبرني أنه رسول الله ، فضحكا وقالا : لا يفتنك عن نصرانيتك ، إنه رجل يخدع ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة " . فلما خلص من صفيهم وقدماه تسيلان الدماء ، عمد إلى حائط من كرومهم فأتى ظل حبلة من الكرم ، فجلس في أصلها مكروبا موجعا ، تسيل قدماه الدماء ، فإذا في الكرم [ ص: 297 ]