الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            25 - باب التيمم

                                                            قال الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا إلى قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا . . فإذا دخل وقت الصلاة وأراد القيام إليها طلب الماء فإذا لم يجده أحدث نية في التيمم في المكتوبة ، وتيمم صعيدا طيبا وهو التراب الطاهر ، فمسح به وجهه ويديه : جنبا كان أو محدثا .

                                                            225 - قال الشافعي رضي الله عنه في كثير من فقهاء الأنصار : إلى المرفقين - وهو الاحتياط والمروي من عبد الله بن عمر مرفوعا وموقوفا .

                                                            [ ص: 94 ]

                                                            226 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، حدثنا محمد بن ثابت العبدي ، حدثنا نافع ، قال : انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس ، فلما قضى حاجته كان من حديثه يومئذ قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في سكة من سكك المدينة وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من غائط أو بول ، فسلم عليه رجل فلم يرد عليه ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم " ضرب بكفيه فمسح بوجهه مسحة ، ثم ضرب بكفيه الثانية فمسح ذراعيه إلى المرفقين ، وقال : " إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على وضوء . أو قال : على طهارة " .

                                                            227 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، حدثنا ابن بكير ، حدثنا مالك ، عن نافع مولى عبد الله بن عمر : أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف حتى إذا كانوا بالمربد نزل عبد الله بن عمر " فتيمم صعيدا طيبا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين " .

                                                            228 - وبإسناده عن نافع : أن عبد الله بن عمر " كان يتيمم إلى المرفقين " .

                                                            229 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ، حدثنا يحيى بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق ، قال : كنت جالسا مع عبد الله ، وأبي موسى ، فقال : أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! الرجل يجنب فلا يجد الماء لا يصلي ؟ قال : لا . ألم تسمع قول عمار لعمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني أنا وأنت ؛ فأجنبت فتمعكت بالصعيد فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . . ، فأخبرناه . فقال : " إنما كان يكفيك هكذا " ، ومسح وجهه وكفيه واحدة ، فقال : إني لم أر عمر قنع بذلك . قال : قلت : فكيف تصنعون بهذه الآية فتيمموا صعيدا طيبا ، قال : إنا لو رخصنا لهم في هذا كان أحدهم إذا وجد الماء البارد تمسح بالصعيد . " [ ص: 95 ] قال الأعمش : فقلت لشقيق : فما كرهه إلا لهذا .

                                                            230 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عروة ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن عمار ، أنه قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم ؟ فأمرني بالوجه والكفين ضربة واحدة " . وكان قتادة يفتي به .

                                                            231 - قلت وكان الشافعي - رحمه الله - يقول : إن ثبت عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم ما روينا في الوجه والكفين ولم يثبت إلى المرفقين فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى .

                                                            232 - قلت : حديث عمار قد ثبت من وجهين ، وحديث ابن عمر صالح الإسناد ويحتمل أن يكون بعد حديث عمار والاحتياط مسحهما إلى المرفقين خروجا من الخلاف وبالله التوفيق .

                                                            233 - قال الشافعي رحمه الله : وإذا وجد الجنب الماء بعد التيمم اغتسل وإذا وجد الذي ليس بجنب توضأ .

                                                            233 - وهذا لما روينا في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرخصة في التيمم بالصعيد الطيب . قال : " فإذا وجد الماء فليمس بشره الماء فإن ذلك خير " .

                                                            234 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، [ ص: 96 ] عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رفعه : قوله عز وجل وإن كنتم مرضى ، قال : " إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الجدري فيجنب ، فيخاف إن اغتسل أن يموت فيتيمم " .

                                                            235 - والذي روي عن علي عليه السلام " أنه انكسر إحدى زنديه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الجبائر لم يثبت إسناده " .

                                                            236 - ولكن روي عن عطاء ، عن جابر ، قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا معنا حجر ، فشجه في رأسه ، ثم احتلم ؛ فقال لأصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء . فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك . قال : " قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال . . إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه بخرقة ، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده " .

                                                            237 - وأخبرنا أبو عبد الله ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا الحسن بن عيسى ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا عبد الوارث ، عن عامر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " .

                                                            238 - قلت : وروي ذلك أيضا عن علي ، وابن عباس ، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين .

                                                            239 - أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ببغداد ، أخبرنا الحسين بن يحيى بن عياش القطان ، حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سليمان التيمي ، عن سيار ، عن أبي أمامة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل قد فضلني على الأنبياء . أو قال : أمتي على الأمم بأربع : أرسلني إلى الناس كافة ، وجعل الأرض كلها لي ولأمتي طهورا ومسجدا ؛ فأينما أدركت الرجل من [ ص: 97 ] أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره ، ونصرني بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي . وأحلت لنا الغنائم " .

                                                            240 - وفي الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء " وذكر خصلة أخرى .

                                                            241 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا عبد الله بن محمد اللعبي حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . فذكره . وفيه دلالة على جواز الصلاة في الكعبة . وهو أولى من قول أسامة .

                                                            242 - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل فيها فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين ، وقال : " هذه القبلة " لأن بلالا شاهد مثبت فهو أولى .

                                                            242 - وأما الصلاة على ظهر الكعبة .

                                                            243 - ففي حديث زيد بن جبيرة ، عن داود بن الحصين ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في سبعة مواطن : المقبرة ، والمجزرة ، والمزبلة ، والحمام ، ومحجة الطريق ، وظهر بيت الله ، ومعاطن الإبل " .

                                                            244 - حدثنا أبو محمد بن يوسف ، أخبرنا أبو بكر بن القطان ، حدثنا علي بن [ ص: 98 ] الحسين الهلالي ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن زيد بن جبيرة . . ، فذكره . وزيد هذا غير قوي وإنما لم يجز الصلاة على ظهره لأنه إنما أمر بالصلاة إليه لا عليه والمعنى في النهي عن الصلاة في غيره من المواطن لنجاستها في الغالب وقيل في بعضها غيرها وهو مذكور في الكتب المبسوطة والله أعلم .

                                                            245 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا أبو المثنى ، حدثنا مسدد ، حدثنا خالد ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن عمرو بن بجدان ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير " .

                                                            246 - وفي الحديث الصحيح عن عمران بن حصين في الرجل أصابته جنابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ! ما منعك أن تصلي مع القوم ؟ " قال : يا رسول الله ! أصابتني جنابة ولا ماء ؟ قال : " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " فلما وجدوا المرأة المشركة بين مزادتين من ماء قال للناس : " اشربوا واستقوا " ، وأعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء ، فقال : " اذهب فأفرغه عليك " .

                                                            247 - وأما الحديث الذي روي عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عمرو بن العاص ، قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ، ثم صليت بأصحابي الصبح ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عمرو ! صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال ، فقلت : إني سمعت الله يقول : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم [ ص: 99 ] رحيما ؛ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا . " فهذا حديث مختلف في إسناده ومتنه . وفروى هكذا .

                                                            248 - وقيل عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي قيس مولى عمرو أن عمرو بن العاص كان على سرية . . ، فذكر الحديث . وقال فيه : فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم صلى بهم ولم يذكر التيمم فإن كان التيمم محفوظا في الأول فيحتمل أنه غسل ما قدر عليه وتيمم للباقي والله أعلم .

                                                            آخر الجزء الأول يتلوه في الثاني إن شاء الله : [كتاب الصلاة ] .

                                                            [ ص: 100 ] [ ص: 101 ]

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية