خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوخة في ظهر دار التي في أبي بكر بني جمح ، ونهضا نحو الغار في جبل ثور [ ص: 81 ] .
وأمر ابنه أبو بكر عبد الله أن يتسمع ما يقول الناس، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما ليلا، ليأخذ منها حاجتهما. ثم نهضا فدخلا الغار، وكانت تأتيهما بالطعام، ويأتيهما أسماء بنت أبي بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عبد الله بن أبي بكر عامر بن فهيرة بالغنم فيعفي آثارهما.
فلما فقدته قريش جعلت تطلبه بقائف معروف، فقفا الأثر حتى وقف على الغار، فقال: هنا انقطع الأثر. فنظروا فإذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته، فلما رأوا نسج العنكبوت أيقنوا أن لا أحد فيه، فرجعوا. وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة لمن رده عليهم. وقد روي من حديث أبي الدرداء وثوبان:
أن الله عز وجل أمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إليها على فم الغار ردهم ذلك عن الغار.
حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا ، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ . وحدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: أنبأنا سعيد بن نصر، ، قال: أنبأنا قاسم بن أصبغ محمد بن إسماعيل الترمذي . قالا: أنبأنا عفان ، قال: أنبأنا همام، قال: أخبرنا عن ثابت أن أنس حدثه، قال: أبا بكر
قلت للنبي عليه السلام ونحن في الغار: لو كان أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين، الله ثالثهما.
فلما مضت لبقائهما في الغار ثلاثة أيام أتاهما عبد الله بن أريقط براحلتيهما وأتتهما [ ص: 82 ] بسفرتهما، أسماء وكانت قد شقت نطاقها فربطت بنصفه السفرة، وانتطقت النصف الآخر، ومن هنا سميت ذات النطاقين.
فركبا الراحلتين، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة ، وحمل مع نفسه جميع ماله، وذلك نحو ستة آلاف درهم. فمروا في مسيرهم بناحية موضع أبو بكر سراقة بن مالك بن جعثم. [ فنظر إليهم فعلم أنهم الذين جعلت فيهم قريش ما جعلت لمن أتى بهم ] فركب فرسه، وتبعهم، ليردهم بزعمه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه، فساخت يدا فرسه في الأرض، ثم استقل، فأتبع يديه دخان. فعلم أنها آية، فناداهم: قفوا علي وأنتم آمنون. فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحق بهم. ثم هم به فساخت يدا فرسه في الأرض، فقال له: ادع الله لي فلن ترى مني ما تكره. فدعا له، فاستقلت فرسه. ورغب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا، فأمر فكتب له [ ص: 83 ] أبا بكر،
ثم مروا على خيمة فكان من حديثها [ في قصة شاتها ] ما هو منقول مشهور عن الثقاة، ونهضوا قاصدين على غير الطريق المعهودة. وقد وصف بعض أهل السير مراحله يوما فيوما، ولم أر لذكرها وجها [ ص: 84 ] . أم معبد،
وعبروا على عسفان ، وهو واد تعتسفه السيول، وكان مأوى الجذماء قديما، ويقال إنه عليه السلام أسرع [ في ] مشيه حين سلكه، وقال: إن كان من العلل شيء بعدي فهذه العلة، نعوذ بالله من كل سوء.
ولما أتوا إلى موضع يسمى العرج [ على نحو ثمانين ميلا من المدينة ] وقف بهم بعض [ ص: 85 ] ظهرهم [ إبلهم ] فألفوا رجلا من أسلم يقال له أوس بن حجر. فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل له، وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ليرده إليه من المدينة ، فاحتملوا إلى بطن رئم حتى نزلوا بقباء، وذلك يوم الاثنين ضحى - وقد قيل عند استواء الشمس - وذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول
وأول من رآه رجل من اليهود، وكان أكثر أهل المدينة قد خرجوا ينظرون إليه، فلما ارتفع النهار وقلصت الظلال واشتد الحر يئسوا منه فانصرفوا. ورآه رجل من اليهود وكان في نخل له فصاح بأعلى صوته: يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء - يعني حظكم - فخرجوا وتلقوه ودخل معهم المدينة . فقيل إنه نزل على وقيل إنه نزل على كلثوم بن الهدم، ونزل أبو بكر على سعد بن خيثمة، خبيب بن إساف وقيل: بل نزل على خارجة بن زيد بن أبي زهير وكلاهما من بني الحارث بن الخزرج. وكان فيمن خرج لينظر إليه قوم من اليهود وكان فيهم ، قال عبد الله بن سلام : فلما نظرت إليه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعت منه: عبد الله بن سلام أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.