فصل
قال رضي الله عنه: الفقيه أبو عمر
فلما أوقع الله عز وجل بالمشركين يوم بدر واستأصل وجوههم قالوا إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد ، فنقتلهم بمن قتل منا ببدر.
بعث مشركي قريش عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى النجاشي
وبالإسناد قال : الفقيه أبو عمر
أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال: أنبأنا قال: أنبأنا محمد بن بكر ، ، قال: أنبأنا أبو داود ابن السرح، قال: أنبأنا ، قال: أخبرني ابن وهب يونس عن ، قال: ابن شهاب عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجهما بعث من عمرو بن أمية الضمري المدينة إلى بكتاب. النجاشي
أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال: أنبأنا ، قال: أنبأنا محمد بن بكر ، قال: أنبأنا أبو داود محمد بن سلمة المرادي ، قال: أنبأنا ، قال: أخبرني ابن وهب عن ابن يونس ، عن ابن شهاب ، وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعن سعيد بن المسيب : [ ص: 132 ] أن الهجرة الأولى هجرة المسلمين إلى أرض عروة بن الزبير الحبشة ، وأنه هاجر في تلك الهجرة بامرأته جعفر بن أبي طالب ، أسماء بنت عميس بامرأته وعثمان بن عفان رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سلمة بن عبد الأسد بامرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وخالد بن سعيد بن العاص بامرأته. وهاجر فيها رجال من قريش ذوو عدد ليس معهم نساؤهم. فلما أري رسول الله دار هجرتهم قال لأصحابه: قد أريت دار هجرتكم: سبخة ذات نخل بين لابتين وهي المدينة . فهاجر إليها من كان معه، ورجع رجال من أرض الحبشة حين سمعوا بذلك، فهاجروا إلى المدينة ، منهم عثمان بابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بامرأته وأبو سلمة وحبس (مكث) بأرض أم سلمة الحبشة ، جعفر بن أبي طالب وحاطب بن الحارث، ومعمر بن عبد الله العدوي، وعبد الله بن شهاب، ورجال ذوو عدد من المهاجرين من قريش الذين هاجروا إلى أرض الحبشة حالت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب. فلما كانت وقعة بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار قال كفار قريش : إن ثأركم بأرض الحبشة ، فأهدوا إلى النجاشي وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم، لعله يعطيكم من عنده من قريش ، فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر. فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وأهدوا للنجاشي ولعظماء الحبشة هدايا. فلما قدما على قبل هداياهم، وأجلس معه النجاشي على سريره. [ فكلم عمرو بن العاص فقال إن بأرضك رجالا منا ليسوا على دينك ولا على ديننا فادفعهم إلينا فقال عظماء النجاشي الحبشة للنجاشي: صدق، فادفعهم إليه، فقال النجاشي : فلا والله لا أدفعهم حتى أكلمهم فأنظر على أي شيء هم فأرسل النجاشي فيهم وأجلس معه على سريره ] فقال لهم عمرو بن العاص : ما دينكم؟ أنصارى أنتم؟ قالوا: لا. قال: فما دينكم؟ قالوا: ديننا الإسلام، قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله ولا نشرك به شيئا، قال: ومن جاءكم [ ص: 133 ] بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل من أنفسنا قد عرفنا وجهه ونسبه أنزل الله عليه كتابه، فعرفنا كلام الله وصدقناه. قال لهم النجاشي : فبم يأمركم؟ قالوا: يأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، ويأمرنا أن نترك ما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة وبالوفاء وبأداء الأمانة وبالعفاف. النجاشي
قال : فوالله إن خرج هذا إلا من المشكاة التي خرج منها أمر النجاشي موسى عليه السلام، فقال حين سمع ذلك من عمرو بن العاص : إن هؤلاء يزعمون أن النجاشي ابن مريم إلهك الذي تعبد عبد. فقال النجاشي لجعفر ومن معه من المهاجرين: ماذا تقولون في عيسى بن مريم ؟ قالوا: نقول هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وابن العذراء البتول. فخفض النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عودا وقال: والله ما زاد على ذلك قدر هذا العود. فقال عظماء الحبشة : والله لئن سمعت الحبشة بهذا لتخلعنك. فقال النجاشي : والله لا أقول في ابن مريم غير هذا القول أبدا، إن الله لم يطع في الناس حين رد إلي ملكي فأنا أطيع الناس في الله، معاذ الله من ذلك. ارجعوا إلى هذا هديته، فوالله لو رشوني دبرا من ذهب ما قبلته. والدبر: الجبل، قال الهروي: لا أدري عربي أم لا. ثم قال: من نظر إلى هؤلاء الرهط نظرة يؤذيهم بها فقد غرم، ومعنى غرم هلك في قوله تعالى: ( إن عذابها كان غراما ) - فخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعث قريش إلى عمرو بن العاص ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي وكتب معه إلى عمرو بن أمية الضمري ، فقدم [ ص: 134 ] على النجاشي ، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا النجاشي والمهاجرين، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين، فجمعهم، ثم أمر جعفر بن أبي طالب جعفرا يقرأ عليهم القرآن، فقرأ سورة مريم: ( كهيعص ) وقاموا تفيض أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله فيهم: ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) وقرأ عليهم إلى ( الشاهدين ) . بلغني أن مخرج