90 - أنا محمد بن أحمد بن يعقوب ، أنا أخبرني محمد بن نعيم الضبي ، محمد بن يوسف بن ريحان ، قال : حدثني أبي ، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول : " أفضل المسلمين رجل أحيا سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أميتت ، فاصبروا يا أصحاب السنن رحمكم الله ، فإنكم أقل الناس " .
قال الشيخ قول أبو بكر : البخاري : " إن أصحاب السنن أقل الناس " عنى به الحفاظ للحديث ، العالمين بطرقه ، المميزين لصحيحه من سقيمه ، وقد [ ص: 113 ] صدق رحمه الله في قوله ، لأنك إذا اعتبرت لم تجد بلدا من بلدان الإسلام يخلو من فقيه ، أو متفقه يرجع أهل مصره إليه ، ويعولون في فتاويهم عليه ، وتجد الأمصار الكثيرة خالية من صاحب حديث عارف به مجتهد فيه . وما ذاك إلا لصعوبة علمه وعزته ، وقلة من ينجب فيه من سامعيه وكتبته ، وقد كان العلم في وقت البخاري غضا طريا ، والارتسام به محبوبا شهيا ، والدواعي إليه أكبر ، والرغبة فيه أكثر ، وقال هذا القول الذي حكيناه عنه ، فكيف نقول في هذا الزمان مع عدم الطالب ، وقلة الراغب ؟ وكان الشاعر وصف قلة المتخصصين من أهل زماننا في قوله : وقد كنا نعدهم قليلا ، فقد صاروا أقل من القليل .