وقد قيل : " المرء عدو ما جهل " .
وجاء هذا الكلام بلفظ آخر وهو : " من جهل شيئا عاداه " .
ونظم هذا الكلام في أبيات تعزى إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ، فالله أعلم بصحة ذلك ، وهي : علي بن أبي طالب
الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم ، والأم حواء فإن يكن لهم من بعد ذا نسب
يفاخرون به ، فالطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم ، إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء [ ص: 151 ] فعش بعلم ، ولا تبغي به بدلا
فالناس موتى ، وأهل العلم أحياء
وهذا المعنى مأخوذ من قول الله سبحانه : ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه )
وأما طعن المتخصصين من أهل الرأي والمتكلمين ، فأنا أبين السبب فيه ليعرفه من لم يكن يدريه .
أما أهل الرأي فجل ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل ، ضعيفة عند العلماء بالنقل ، فإذا سئلوا عنها بينوا حالها ، وأظهروا فسادها ، فشق عليهم إنكارهم إياهم ، وما قالوه في معناها ، وهم قد جعلوها عمدتهم ، واتخذوها عدتهم ، وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم ، وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم ، فغير مستنكر طعنهم عليهم ، وإضافتهم أسباب النقص إليهم ، وترك قبول نصيحتهم في تعليلهم ، ورفض ما بينوه من جرحهم ، وتعديلهم ، لأنهم قد هدموا ما شيدوه وأبطلوا ما أموه منه وقصدوه ، وعللوا ما ظنوا صحته واعتقدوه .
وأما المتكلمون : فهم معذورون فيما يظهرونه من الإزدراء بهم ، والعيب لهم ، لما بينهم من التباين الباعث على البغضاء والتشاحن ، واعتقادهم في جل ما ينقلونه ، وعظم ما يروونه ويتداولونه ، إبطاله ، وإكفار الذين يصححونه وإعظامهم عليهم الفرية .
[ ص: 152 ] وتسميتهم لهم الحشوية ، واعتقاد المحدثين في المتكلمين غير خاف على العلماء والمتعلمين ، فهما كما قال الأول :
الله يعلم إنا لا نحبكم ولا نلومكم إذ لا تحبونا
فقد ذكرت السبب الموجب لتنافي هذين الفريقين ، وتباعد ما بين هاتين الطائفتين .
ورسمت في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصة ، ولغيره عامة ما أقوله نصيحة مني له ، وغيره عليه ، وهو أن يتميز عمن رضي لنفسه بالجهل ، ولم يكن فيه معنى يلحقه بأهل الفضل ، وينظر فيما أذهب فيه معظم وقته ، وقطع به أكثر عمره من كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجمعه ، ويبحث عن علم ما أمر به من معرفة حلاله وحرامه ، وخاصه وعامه ، وفرضه وندبه ، وإباحته وحظره ، وناسخه ومنسوخه ، وغير ذلك من أنواع علومه قبل فوات إدراك ذلك فيه ، وقد :