وبعث عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى، ومعه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به، ولا يستكره أحدا من أصحابه.
وكان أصحابه: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وعكاشة بن محصن الأسدي ، ، وعتبة بن غزوان ، وسعد بن أبي وقاص وعامر بن ربيعة، من عنز بن وائل، حليف بني عدي، وواقد بن عبد الله أحد بني تميم، حليف لهم، وخالد بن البكير ، وسهيل بن بيضاء.
فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب، فنظر فيه، فإذا فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم". فلما نظر في الكتاب، قال: سمعا وطاعة. ثم قال ذلك لأصحابه، وقال: قد نهاني أن أستكره أحدا منكم. فمضوا لم يتخلف عليه منهم أحد.
وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له: بحران، أضل ، سعد بن أبي وقاص بعيرا لهما كانا يعتقبانه ، فتخلفا عليه في طلبه، ومضى [ ص: 360 ] وعتبة بن غزوان عبد الله بن جحش وأصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش فيها عمرو بن الحضرمي ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل، المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة.
فلما رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريبا منهم، فأشرف عليهم وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا، وقالوا: عمار، لا بأس عليكم منهم، وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب، فقال القوم: والله لئن تركتم القوم في هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام. فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معه، فرمى عكاشة بن محصن، واقد بن عبد الله التميمي ، عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه.
قال ابن إسحاق: فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام". فوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: إذا استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان.
وقالت يهود - تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم - : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو: عمرت الحرب، والحضرمي: حضرت الحرب، وواقد [ ص: 361 ] بن عبد الله: وقدت الحرب. فجعل الله ذلك عليهم لا لهم.
فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى: ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ) ففرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نفديكما حتى يقدم صاحبانا" يعني: ، سعد بن أبي وقاص "فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم"، وعتبة بن غزوان، فقدم سعد ، وعتبة، فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات في بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا.
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول الله، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله فيهم: ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم ) فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء. والحديث في هذا عن ، الزهري ويزيد بن رومان ، عن ثم قسم الفيء بعد كذلك. عروة بن الزبير،
قال وهي ابن هشام: وعمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون، وعثمان ، والحكم أول من أسر المسلمون، فقال في ذلك أول غنيمة غنمها المسلمون، ويقال هي أبو بكر الصديق، لعبد الله بن جحش:
تعدون قتلا في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد صدودكم عما يقول محمد
وكفر به والله راء وشاهد شفينا من ابن الحضرمي رماحنا
بنخلة لما أوقد الحرب واقد
وقال كان الذي أسر ابن سعد: الحكم بن كيسان ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث المقداد بن عمرو، عبد الله بن جحش في اثني عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان بعيرا إلى بطن نخلة، وهو بستان ابن عامر، وأن كان زميل سعد بن أبي وقاص فضل بهما بعيرهما، فلم يشهدا الوقعة. عتبة بن غزوان،
والذي ذكره أن موسى بن عقبة ابن جحش لما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير أصحابه، تخلف رجلان، سعد ، وعتبة، فقدما بحران، ومضى سائرهم.
وقال ويقال: إن ابن سعد: عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم، وقسم بين أصحابه سائر المغانم، فكان أول خمس خمس في الإسلام، ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر، فقسمها مع غنائم بدر، وأعطى كل قوم حقهم، وفي هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين .
[ ص: 363 ]