[ ص: 91 ] قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بسفح قاسيون أخبرك أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه وأنت تسمع، أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البناء قال: أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي الوراق ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، حدثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة ، أخبرنا الليث ، عن ، عن هشام بن عروة عن عروة، زينب بنت أبي سلمة، أنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هل لك في أختي أم حبيبة ابنة أبي سفيان وفيه قالت: فو الله لقد أنبئت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة. قال: "ابنة أبي سلمة؟" قالت: نعم. قال: "فو الله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وإياها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.." عن الحديث.
وذكر الزبير أن حمزة أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين. وحكى نحوه، وقال: وهذا لا يصلح عندي، لأن الحديث الثابت أن أبو عمر حمزة ، وعبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين. قلت: وأقرب من هذا ما روينا عن من طريق ابن إسحاق البكائي أنه كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، والله أعلم.
بني سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب، وكانت [ ص: 92 ] تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها ترضعه، في نسوة من بني سعد بن بكر. قالت: وفي سنة شهباء لم تبق لنا شيئا. قالت: فخرجت على أتان لي قمراء ، معنا شارف لنا والله ما تبض بقطرة لبن، وما ننام ليلتنا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا، حتى قدمنا واسترضع له من مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! ما عسى أن تصنع أمه وجده؟ فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا، غيري. فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل ثدياي بما شاء من لبن، وشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك، فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب منها ما شرب وشربت حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة. يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة. قلت: والله إني لأرجو ذلك، ثم خرجت وركبت أتاني وحملته عليها معي، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر علي شيء من حمرهم، حتى أن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك [ ص: 93 ] اربعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله إنها لهي. فيقلن: والله إن لها لشأنا. قالت: ثم قدمنا منازلنا من بني سعد ولا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبنا، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا. فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت بني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به، فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي عبد الله قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه. قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجهه، قال: فالتزمته والتزمه أبوه فقلنا: مالك يا بني؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو. قالت: فرجعنا به إلى خبائنا، وقال لي أبوه: يا حليمة! لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به. قالت: فاحتملناه فقدمنا به على أمه. فقالت: ما أقدمك يا ظئر؟ ولقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك. قلت: قد بلغ الله بابني، وقضيت الذي علي وتخوفت الأحداث عليه فأديته عليك كما تحبين. قالت: ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك. قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها. قالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قلت: نعم. قالت: كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإن لبني لشأنا أفلا أخبرك خبره؟ قلت: بلى. قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج [ ص: 94 ] مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة.
قال السهيلي: وذكر غير في حديث الرضاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقبل إلا على ثديها الواحد، وتعرض عليه الآخر فيأباه، كأنه قد أشعر أن معه شريكا في لبانها، وكان مفطورا على العدل مجبولا على جميل المشاركة والفضل صلى الله عليه وسلم. ابن إسحاق
ويروى أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله; أخبرنا عن نفسك. قال: "نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه قد خرج منها نور أضاء له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا، فأخذاني فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنها.
وفي رواية:
"فاستخرجا منه مغمز الشيطان وعلق الدم". وفيها: "وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن".
[ ص: 95 ] شرح الغريب:
قوله في هذا الخبر: "وما في شارفنا ما يغذيه": قيل: بالدال المهملة من الغداء وقيل: بالمعجمة.
وقال وهو أتم من الاقتصار على ذكر الغداء دون العشاء. وعند بعض الناس: يعذبه: ومعناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه وينقطع عن الرضاع، يقال منه: عذبته وأعذبته إذا قطعته عن الشرب ونحوه، والعذوب، وجمعه عذوب بالضم، ولا يعرف فعول جمع على فعول غيره، قاله أبو القاسم: انتهى كلام أبو عبيد. السهيلي رحمه الله. وأنشدني أبي رحمه الله لبعض العرب يهجو قوما بات ضيفهم:
بتنا عذوبا وبات البق يلبسنا نشوي القراح كأن لا حي بالوادي
وذكر في فعول على فعول غير عذوب، وحكي ذلك عن (كتاب ليس) لابن خالويه.وقوله: "أدمت بالركب" حبستهم وكأنه من الماء الدائم وهو الواقف. ويروى أذمت: أي الأتان، أي جاءت بما تذم عليه، أو يكون من قولهم: بئر ذمة: أي قليلة الماء.
وقوله:
"يسوطانه". يقال: سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه، إذا ضربت بعضه ببعض، و "المسوط": عود يضرب به.
وقوله: "مغمز الشيطان": هو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى ابن مريم وأمه لقول أمها حنة: ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) ولأنه لم يخلق من مني الرجال وإنما خلق من نفخة روح القدس. قال السهيلي: ولا يدل هذا على فضل عيسى عليه الصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم; لأن محمدا عندما نزع ذلك منه ملئ حكمة وإيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج والبرد.
[ ص: 96 ] وقد روي أنه عليه السلام ليلة الإسراء أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغ في قلبه، وأنه غسل قلبه بماء زمزم، فوهم بعض أهل العلم من روى ذلك ذاهبا في ذلك إلى أنها واقعة واحدة متقدمة التاريخ على ليلة الإسراء بكثير. قال السهيلي: وليس الأمر كذلك بل كان هذا التقديس وهذا التطهير مرتين: الأولى في حال الطفولية لينقي قلبه من مغمز الشيطان، والثانية: عندما أراد أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة، وليصلي بملائكة السموات، ومن شأن الصلاة الطهور، فقدس باطنا وظاهرا وملئ قلبه حكمة وإيمانا، وقد كان مؤمنا، ولكن الله تعالى قال: ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) .
رجع إلى الأول: وانطلق به أبو طالب، وكانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا، فغفلت عنه يوما في الظهيرة، فخرجت تطلبه حتى تجده مع أخته. فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت، حتى انتهى إلى هذا الموضع. تقول أمها: أحقا يا بنية؟ قالت: إي والله. قال: تقول حليمة: أعوذ بالله من شر ما يحذر على ابني. فكان يقول: رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين. وكان غيره يقول: رد إليها وهو ابن أربع سنين، وهذا كله عن ابن عباس الواقدي.
وقال ردته ظئره أبو عمر: حليمة إلى أمه بعد خمس سنين ويومين من مولده، وذلك سنة ست من عام الفيل، وأسلمت حليمة بنت أبي ذؤيب، وهو: عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناضرة بن قبيصة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن. قال روى أبو عمر: ، عن زيد بن أسلم قال: جاءت عطاء بن يسار، حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست [ ص: 97 ] عليه، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنها ابنها عبد الله بن جعفر.
قرئ على أبي العباس أحمد بن يوسف الصوفي وأنا أسمع منه سنة ست وسبعين قال: أخبرنا أبو روح البيهقي سماعا عليه سنة خمس وستمائة، قال: أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن علي الطوسي قراءة عليه ونحن نسمع، قال: أخبرنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن النيسابوري ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الميداني ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن خالد بن فارس ، حدثنا ، عن أبو عاصم النبيل جعفر بن يحيى بن ثوبان، عن عمه عمارة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما أبي الطفيل، بالجعرانة وأنا غلام شاب، فأقبلت امرأة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه، فقعدت عليه. فقال: من هذه؟ قال: أمه التي أرضعته. عن
هكذا روينا في هذا الخبر، وكذا حكى عن أبو عمر بن عبد البر حليمة بنت أبي ذؤيب أنها أسلمت وروت. ومن الناس من ينكر ذلك. وحكى السهيلي أنها كانت وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعد تزويجه تشكو إليه السنة ، وأن قومها قد أسنتوا، فكلم لها خديجة فأعطتها عشرين رأسا من غنم وبكرات. [ ص: 98 ] وذكر خديجة أبو إسحاق بن الأمين في استدراكه على أبي عمر: خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر غيره فيهن أيضا حاضنته عليه الصلاة والسلام. أم أيمن بركة
[ ص: 99 ]