118 - فصل
[ صحة
nindex.php?page=treesubj&link=8734العقود التي وقعت من أهل الذمة في الشرك ] .
ومن هذا أمر العقود التي وقعت منهم في الشرك فإن الذين أسلموا
[ ص: 696 ] على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل أحدا منهم : كيف كان عقدك على امرأتك ؟ وهل نكحتها في عدتها أم بعد انقضاء عدتها ؟ وهل نكحت بولي وشهود أم لا ؟
ولا سأل من كان تحته أختان : هل جمعت بينهما في عقد واحد أم تزوجت واحدة بعد واحدة ؟ وقد أسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلق الذين أسلموا ، ودخلوا في دين الله أفواجا ، ولم يسأل أحدا منهم عن صفة نكاحه ، بل أقرهم على أنكحتهم ، إلا أن يكون حين الإسلام أحدهم على نكاح محرم كنكاح أكثر من أربع ، أو نكاح أختين ، فكان يأمره أن يختار أربعا منهن ، وإحدى الأختين ، سواء وقع ذلك في عقد ، أو عقود ، وإن كان متزوجا بذات محرم كامرأة أبيه أمره بفراقها ، وهذا قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجمهور التابعين ، ومن بعدهم .
وأبو حنيفة ينظر إلى
nindex.php?page=treesubj&link=8734صفة العقد في الكفر : هل له مساغ في الإسلام أم لا ؟ فإن كان له مساغ صححه ، وإلا أبطله ، فإن تزوج أكثر من أربع في عقد واحد فسد نكاح الجميع ، وإن كان في عقود ثبت نكاح الأربع ، وقد فسد نكاح من بعدهن من غير تخيير ، وكذلك الأختان .
والذي مضت به السنة قول الجمهور كما في " السنن " من حديث
[ ص: 697 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=10350390الضحاك بن فيروز ، عن أبيه قال : أسلمت وعندي امرأتان أختان ، فأمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أطلق إحداهما .
وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350391اختر أيتهما شئت " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا : حدثنا
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350392عن سالم ، عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي nindex.php?page=treesubj&link=27248أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اختر منهن أربعا " ، فلما كان في عهد
عمر طلق نساءه ، وقسم ماله بين بنيه ، فبلغ ذلك
عمر - رضي الله عنه - فقال : إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع ، سمع بموتك فقذفه في نفسك ، ولعلك ألا تمكث إلا قليلا ، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك ، أو لأورثهن ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر
أبي رغال .
قال
أحمد : وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ، ثنا
معمر ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
سالم ، عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350393أسلم غيلان بن سلمة ، وتحته عشر نسوة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اختر منهن أربعا " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا
عبد السلام ، حدثنا
إسحاق بن [ ص: 698 ] عبد الله ، عن
أبي وهب الجيشاني ، عن
أبي خراش الرعيني ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350394عن الديلمي قال : قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية ، فقال : " إذا رجعت فطلق إحداهما " .
ورواه
الشالنجي ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350395عن الضحاك بن فيروز ، عن أبيه قال : أسلمت ، وعندي امرأتان أختان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اختر إحداهما " .
وفي المسند من حديث
قيس بن الحارث قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350396أسلمت وتحتي [ ص: 699 ] ثمان نسوة ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت له ذلك فقال : " اختر منهن أربعا " .
وحديث
غيلان قد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
ومالك ، لكن
مالكا أرسله عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ،
ومعمر وصله ، وحكم الناس
لمالك في إرساله ، وغلطوا
معمرا في وصله ، وقالوا : هو غير محفوظ .
قال
الأثرم : ذكرت
لأبي عبد الله الحديث الذي رواه البصريون عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
سالم ، عن أبيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350397أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة " أصحيح هو ؟ قال : لا ما هو صحيح .
[ ص: 700 ] قال مهنا : سألت
أحمد ، عن حديث
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
سالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350397 " أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة " قال : ليس بصحيح ، والعمل عليه .
كان
عبد الرزاق يقول : عن
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري مرسلا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج : هذا الحديث رواه
معمر بالبصرة متصلا هكذا ، فإن رواه عنه ثقة خارج البصريين حكمنا له بالصحة ، أو قال : صار الحديث صحيحا ، وإلا فالإرسال أولى .
قال
البيهقي : فوجدنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان بن سعيد الثوري ،
وعبد الرحمن بن محمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16753وعيسى بن يونس وثلاثتهم كوفيون حدثوا به عن
معمر متصلا .
قال : ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، وهو يمامي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14553الفضل بن موسى ، وهو خراساني ، عن
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
سالم ، عن أبيه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصح الحديث بذلك ، والله أعلم .
[ ص: 701 ] وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : ثنا
عمرو بن يزيد الجرمي ، ثنا
سيف بن عبيد الله ، ثنا
سرار بن مجشر ، عن
أيوب ، عن
نافع ،
وسالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350398أن غيلان بن سلمة كان عنده عشر نسوة ، فأسلم وأسلمن معه ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار منهن أربعا " .
قال
البيهقي : قال لنا
أبو عبد الله : رواة هذا الحديث كلهم ثقات ،
[ ص: 702 ] تقوم بهم الحجة .
وقال
أبو علي الحافظ : تفرد به
سرار بن مجشر ، وهو بصري ثقة .
وبالجملة ، فشهرة القصة تغني عن إسنادها ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خيره ، ولم يفرق بين الأوائل والأواخر ، ولم يستفصله ، ولو اختلف الحال لتعين الاستفصال ، فإن الرجل حديث عهد بالإسلام ، غير عارف بشرائع الأحكام ، وتفاصيل الحلال من الحرام ، فجعل الاختيار إليه ، ولم يحجر في ذلك عليه .
قال المنازعون : قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث
بريدة ،
ومعاذ ، وغيرهما الأمر بدعاء الكفار إلى أن يكون لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين ، والمسلم ليس له أن يتزوج أكثر من أربع ، ولا أختين في عقد واحد ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " وهذا نص في المسألة قاطع للنزاع .
قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=10990ونكاح الخمس في عقد واحد لا يختلف فيه حكم البقاء والدوام في المنع ، فكان باطلا كنكاح ذوات المحارم .
[ ص: 703 ] قالوا : ولا يرد علينا النكاح بغير شهود ولا ولي ، والنكاح في العدة ؛ لأن ذلك يمنع الابتداء دون البقاء .
قالوا : وليس تحريم الخامسة من جهة الجمع ، فلم يختلف فيه حال الابتداء والاستدامة ، والإسلام والكفر ، كعقد المرأة على زوجين .
قالوا : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=8734باع ذمي درهما بدرهمين ، ثم أسلم قبل القبض لم يخير في أحد الدرهمين ، كذلك إذا أسلم وتحته أختان يجب ألا يخير في إحدى الأختين ، وبأن العقد على الخمس في حال الشرك لا يخلو من أحد أمرين :
إما أن تقولوا : إنه صحيح ، أو فاسد ، ولا يجوز أن يقال : إنه صحيح ، إذ لو كان كذلك لم يجز نقضه بعد الإسلام ، فثبت أنه فاسد ، وإذا كان فاسدا لم يصححه الإسلام ، كنكاح ذوات المحارم .
قالوا : ولأنه عقد على عدد محرم ، فلا يثبت فيه التخيير ، كعقد السلم .
[ ص: 704 ] قالوا : وأما الحديث ، فنحن أول آخذ به ، إذ المراد بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350399اختر منهن أربعا " ، تعقد عليهن عقدا جديدا . وكذلك قوله في الأختين : " اختر أيتهما شئت " ، إنما هو تخيير ابتداء ، لا تخيير استدامة ، لما ذكرنا من الأدلة ، ولو كان تخيير استدامة لاحتمل أن يكون غيلان عقد عليهن في الحال التي كان يجوز فيها العقد على أكثر من أربع ، وذلك في أول الإسلام ، فإن القصر على أربع إنما وقع في سورة النساء وهي مدنية بالاتفاق ، سلمنا انتفاء
[ ص: 705 ] ذلك ، فيجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم صورة الحال ، وأنه تزوجهن في عقد واحد ، فأمره أن يختار منهن أربعا يبتدئ نكاحهن ، ولا سبيل إلى العلم بانتفاء هذا .
قال المصححون : الآن اشتد اللزام ، واحتد الخصام ، ووجب التحيز إلى فئة الحديث الذين قصدهم الانتصار له أين كان ، ومع من كان .
قالوا : وأما احتجاجكم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350400فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين " فما أصحه من حديث ، وما أضعفه من استدلال ! وهل نازع في هذا مسلم حتى تحتجوا عليه به ؟ وهكذا نقول نحن ، وكل مسلم : إن الرجل إذا أسلم فحينئذ يصير له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم ، وأما قبل ذلك فلم يكن كذلك ، فالحديث حجة عليكم ، فإنه لم يقل : أخبرهم أن عليهم ما على المسلمين قبل الإسلام .
والذي على المسلم : أنه لا يمكن من العقد على أختين ابتداء ولا استدامة .
وهكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وليس أمره - صلى الله عليه وسلم - على
nindex.php?page=treesubj&link=10988_10990الجمع بين الأختين والتزوج بأكثر من أربع ، فلذلك كان ردا بالإسلام ، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يقل : إن ما كان في الجاهلية مما يخالف أمري ومضى ، وانقضى فهو رد ، وإنما يرد منه ما قام الإسلام وهو على خلاف أمره ، وهكذا فعل سواء ، فإنه أبطل نكاح إحدى الأختين ، وما زاد على الأربع ، إذ ذلك خلاف أمره ، وجعل الخيرة في الممسكات إلى الزوج ، وهذا نفس أمره ، فما خالف هذا وهذا فهو رد ، فالحديث حجة على بطلان قولكم ، وبالله التوفيق .
[ ص: 706 ] وأما قولكم : إن نكاح الخمس في عقد واحد لا يختلف فيه حكم الابتداء ، والدوام ، فكان باطلا كنكاح ذوات المحارم ، فجوابه من وجوه :
أحدها : أن تحريم ما زاد على الأربع إنما كان من جهة الزيادة على العدد المباح ، والزيادة يمكن إبطالها دون النصاب ، فإن المفسدة تختص بها ، فلا معنى لتعدية الإبطال إلى النصاب ، فإن في ذلك إضرارا به ، وتنفيرا له عن الإسلام من غير مصلحة ، وقد أمكن إزالة المفسدة بمفارقة ما زاد على النصاب ، فيبقى النكاح في حق الأربع صحيحا ، فهذا محض القياس ، كما أنه مقتضى السنة . وهذا بخلاف نكاح ذوات المحارم ، فإن المفسدة التي فيه لا تزول إلا ببطلان النكاح ، لقيام سبب التحريم .
الوجه الثاني : أن تحريم الزائد على أربع إنما نشأ من جهة انضمامه إلى القدر الجائز ، وإلا فكل واحدة منهن لو انفردت صح العقد عليها ، بخلاف تحريم ذوات المحارم ، فإنه ثابت لذاتها وعينها ، فقياس أحد النوعين على الآخر فاسد .
الوجه الثالث : أن تحريم الزائد على الأربع أخف من تحريم ذوات المحارم ، ولهذا أبيح لنبينا - صلى الله عليه وسلم - الزيادة على أربع ، ولم تبح
[ ص: 707 ] [ ص: 708 ] له ذوات المحارم ، فلا يصح اعتبار أحد النوعين بالآخر ، ونحن لا ننظر إلى ابتداء العقد كيف وقع ، بل إلى حاله عند الإسلام ، ولهذا قد ساعدتم على أنه لو تزوجها بغير ولي ولا شهود ولا مهر ، أو في عدة ، ثم انقضت ، أو بغير تراض لم يبطله الإسلام ، فلذلك إذا عقد على خمس لم نبطله بالإسلام ، وإنما يبطل الزائد على النصاب .
وأما قولكم : إن تحريم الزائد على الأربع إنما كان من جهة الجمع ، فلم يفترق الحال فيه بين الابتداء ، والاستدامة ، كعقد المرأة على زوجين ، فما أفسده من قياس ! فإن هذا مما لم تختلف فيه الشرائع ولا الطبائع ، ولا تسوغه أمة من الأمم على اختلاف أديانها وآرائها .
وأما الجمع بين الأختين ، وبين أكثر من أربع فقد كان جائزا في بعض الشرائع ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) ، والجمع بين أكثر من أربع قد فعله
داود ،
وسليمان ، وخاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
وبالجملة ، فعقد الرجل على أكثر من امرأة مصلحة راجحة ،
nindex.php?page=treesubj&link=10998وعقد المرأة على أكثر من رجل مفسدة خالصة ، أو راجحة ، فاعتبار أحدهما بالآخر فاسد عقلا ، وطبعا ، وشرعا .
وأما قولكم : لو باع ذمي درهما بدرهمين ، ثم أسلم لم يخير في أحد الدرهمين ، كذلك لا يخير في الأختين ، فما أفسده من قياس ! فإن الصرف إذا لم يقبض لم يلزم في العقد إن قبضه ، ثم أسلم أن يفسخ العقد ، فإنهم إذا
[ ص: 709 ] تعاقدوا عقود الربا وتقابضوا ، ثم أسلموا لم نفسخها ، وإن لم يتقابضوا لم نمضها ، وهكذا النكاح ، فإنه إذا اتصل به الدخول ، وسبب التحريم قائم ، أبطلناه ، وإن كان قد انقضى لم نعرض له . وإنما لم نخيره في أحد الدرهمين ، وخيرناه في إحدى الأختين ؛ لأنه لا فائدة له في تخييره في أحد الدرهمين ، ولا غرض له في ذلك ، ولا مصلحة ، بخلاف تخييره بين إحدى الأختين ، على أنه لا يمتنع أن يخير العقد في درهم بدرهم ، ويجعل له الخيار في أيهما شاء ، فنفي الحكم في ذلك غير معلوم بنص ولا إجماع .
وأما قولكم : العقد على الخمس في حال الشرك إما أن يقع صحيحا ، أو فاسدا . . . إلى آخره ، فجوابه من وجهين :
أحدهما : أنه صحيح في الجميع ، فإذا أسلم فسخ العقد في إحداهن : هذا جواب
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى .
قال : " وقد نص
أحمد على هذا : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=11456تزوج الحربي أما وبنتا ، ثم أسلم قبل الدخول ، انفسخ نكاح الأم " .
قال : " وهذا يدل على أنه قد صح النكاح في البنت حتى صارت هي من أمهات النساء فحرمت عليه ، ولو لم يكن صحيحا فيهما كان له أن يختار أيهما شاء ، لأنها لم تكن من أمهات النساء ، والجمع بين الأم والبنت في العقد كالجمع بين خمسة " .
قال : " وإنما حكمنا بصحة العقد في الجميع ؛ لأن له أن يختار الخامسة بعد إسلامه ، ويستديم نكاحها على حديث غيلان وغيره ، ولا يجوز أن يستديم نكاحا حكمنا بفساده " .
[ ص: 710 ] وقولكم : إنه لو كان صحيحا لم يجز تغييره ، ونقضه بعد الإسلام ، كما لو عقد على أربع لا يصح ؛ لأن الإسلام لا يغير ما يطابق حكم الإسلام ، وما زاد على الأربع يخالف حكمه ، فلهذا غيره كما لو تعاقدا عقد صرف ، وأسلما قبل التقابض حكمنا بفساده ، وإن كان الصرف في الجملة جائزا ، ولأنه لو أسلم الوثني قبل الدخول انفسخ النكاح بعد الحكم بصحته ، ولأن تغييره بعد الإسلام إنما هو إلزام ، ولا يمتنع أن يوجب الإسلام إزالة أشياء لم تكن حال الكفر كالعبادات .
وعندي جواب آخر : وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=11456العقد الذي وقع في حال الكفر - على هذا الوجه - لا يحكم له بصحة ، ولا فساد ، بل يقرون عليه كما يقرون على كفرهم ، فإن استمروا على الكفر لم نتعرض لعقودهم ، وإن أسلموا حكم ببطلان ما يقتضي الإسلام بطلانه - من حين الإسلام لا قبل ذلك - كالحكم في سائر عقودهم من بياعاتهم وغيرها ، فما كان قبل الإسلام فهو عفو لا نحكم له بأحكام الإسلام ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) ، فأمر بترك ما بقي دون رد ما قبض ، ولم يكن صحيحا ، بل كان عفوا كما قال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ) ، فجعل له ما سلف من الربا ، وإن لم يكن مباحا له ، وكذلك سائر العقود له ما سلف منها ، ويجب عليه ترك ما يحرمه الإسلام ، وهذه الآية هي الأصل في هذا الباب جميعه ، فإنه تعالى لم يبطل ما وقع في الجاهلية على خلاف شرعه ، وأمر بالتزام شرعه من حين قام
[ ص: 711 ] الشرع ، ومن تأمل حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في باب أنكحة الكفار إذا أسلموا عليها وجده مشتقا من القرآن مطابقا له .
وأما قولكم : إنه عقد على أكثر من أربع ، فلم يصح فيه التخيير ، كعقد السلم ، فهل في القياس أفسد من هذا ؟ وهل يمكن أحدا أن يطرد هذا القياس فيفسخ كل نكاح وقع في الشرك ، وكل بيع ، وكل إجارة ، وكل عقد لم يستوف شروطه في الإسلام كالنكاح بلا ولي ، ولا شهود ، ولا مهر ، وكل عقد فاسد وقع فيه التقابض ؟ !
وأما قولكم : إنكم أول من أخذ بالحديث ، فكلا بل أول من تلطف في رده بما لا يرد به ، وما تأولتم به الحديث من أن المراد به " تخييره في ابتداء العقد على من شاء منهن " باطل لوجوه .
أحدها : قوله في بعض ألفاظه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350401أمسك أربعا وفارق سائرهن " ، وهذا يقتضي إمساكهن بالعقد الأول ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فإمساك بمعروف ) ، ولا يعقل الإمساك غير هذا .
فإن قلتم : يعني : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350402أمسك أربعا منهن " تزوج أربعا ، خرج اللفظ عن القياس إلى الألغاز واللبس الذي يتنزه عنه كلام المبين عن الله .
[ ص: 712 ] الثاني : أنه جعل
nindex.php?page=treesubj&link=11455_27248الإمساك ، والاختيار إليه ، ولو كان المراد به العقد لكان الاختيار إليهن لا إليه ؛ لأنه لا يعقد عليهن إلا برضاهن .
الثالث : أنه أمره بالاختيار ، وذلك واجب عليه ، ولو كان المراد تجديد العقد لم يجب عليه ، ولهذا لو أبى الاختيار أجبره عليه الحاكم ، فإن امتنع ضربه حتى يختار لأنه واجب عليه .
الرابع : أن هذا التأويل لا يصح عندكم إلا إذا كان قد تزوجهن في عقد واحد ، فأما إذا تزوجهن بعقود متفرقة ، فإنه يصح نكاح الأربع الأول ، ويبطل نكاح من عداهن ، وحينئذ فيكون المراد من الحديث : إذا كنت قد تزوجتهن في عقد واحد ، فنكاح الجميع باطل ، وذلك أن يتزوج أربعا منهن . ومعلوم أن هذا لا يفهم أصلا من قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350403اختر أربعا ، وفارق سائرهن " ، ولا يفهم المخاطب ولا غيره هذا المعنى من هذا اللفظ ألبتة .
الخامس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل هذا الحديث العهد بالإسلام الجاهل بالأحكام عن كيفية عقده ، ولا استفصله .
السادس : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي :
[ ص: 713 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=179عوف بن الحارث ، عن
نوفل بن معاوية الديلي قال : "
أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أمسك أربعا ، وفارق الأخرى " فعمدت إلى أقدمهن صحبة : عجوز عاقر ، معي منذ ستين سنة ، ففارقتها " . ففهم المخاطب من هذا اللفظ حقيقته ، وعمل بها .
[ ص: 714 ] [ ص: 715 ] السابع : أنه قال للذي أسلم على أختين : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350405طلق أيتهما شئت " ، وهذا لا معنى له على قول المنازع ، فإنه إن تزوج إحداهما بعد الأخرى فنكاح الثانية باطل ، وليست محلا للطلاق ، وإن تزوجهما معا فنكاحهما عنده باطل ، وليست واحدة منهما محلا للطلاق .
الثامن : أن في بعض طرق الحديث : "
أمسك إحداهما " ، وهذا على قولكم لا يتأتى ، فإنه إن جمعهما في عقد لم يكن له سبيل على واحدة منهما حتى يمسكهما ، وإن سبق عقد إحداهما الأخرى كان الواجب عندكم أن يقال : أمسك الأولى دون الثانية ، وهذا لا يصح أن يعبر عنه بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350406أمسك إحداهما وأيتهما شئت " .
وأما قولكم : إن هذا يجوز أن يكون في الوقت الذي كان يجوز فيه العقد على أكثر من أربع ، فجوابه من وجوه :
أحدها : أنه لا يعلم أنه كان العقد على أكثر من أربع جائزا في وقت من الأوقات في الإسلام ، لا قبل الهجرة ، ولا بعدها ، ولو كان ذلك لنقل مع ما نقل من الناسخ ، والمنسوخ ، ولم ينقل أحد هذا قط .
فإن قيل : نحن لم ندع أن ذلك أبيح لفظا ، ثم نسخ ، بل كان على أصل الإباحة والعفو حتى حرمه القرآن ، قيل : هذا لا يصح ، فإن الأصل في الفروج التحريم إلا ما أباحه الله ورسوله ، كما أن الأصل في العبادات البطلان إلا ما شرعه الله ورسوله ، وعكس هذا العقود والمطاعم ، الأصل فيها الصحة والحل إلا ما أبطله الله ورسوله وحرمه ، وهذا تقرر في موضعه .
[ ص: 716 ] الثاني : أن هذا لو كان مشروعا ، أو مباحا إباحة العفو لكان في المسلمين ولو رجل واحد يفعله في الإسلام قبل التحريم ، مع حرصهم على النكاح ، والاستكثار منه . ألا ترى أنهم فعلوا المتعة لما كانت مباحة ، وشرب الخمر منهم من شربها قبل التحريم .
الثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأله عن وقت العقد : هل كان قبل التحريم ، أو بعده ؟ كما لم يسأله عن كيفيته .
الرابع : أن هذا لا يصح على أصول المنازع ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة قال : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10991تزوج الحر بأربع نسوة ثم استرق ، فإنه يبطل نكاحهن ، ومعلوم أنه إنما حرم عليه نكاح ما زاد على الثنتين بالاسترقاق ، ونكاح الأربع وقع في الوقت الذي كان يجوز له فيه نكاحهن ، فكان يجب - على ما ذكروا من التأويلات - أن يختار منهن اثنتين ؛ لأنه عقد على أربع في حال كان ذلك مباحا له فيها ، ثم ورد التحريم . وهذه المسألة ذكرها
محمد بن الحسن في " الجامع الكبير " .
وأما قولكم : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجوز أن يكون علم الحال ، وأنه تزوجهن في عقد واحد ، فخيره بين أربع يبتدئ نكاحهن ، فهو باطل من الوجوه التي تقدمت .
ونزيدها هاهنا وجها آخر : وهو أن ذلك يتضمن تعليق الحكم على غير السبب المذكور في الحديث ، وإلغاء السبب الذي ذكر فيه ، وهذا باطل من الوجهين جميعا ، فإنه إنما علق الاختيار بكونه أسلم على أكثر من أربع ،
[ ص: 717 ] وعندكم الاختيار إنما علق على اجتماعهن في عقد واحد لو كان اختيارا . وبالله التوفيق .
118 - فَصْلٌ
[ صِحَّةُ
nindex.php?page=treesubj&link=8734الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشِّرْكِ ] .
وَمِنْ هَذَا أَمْرُ الْعُقُودِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُمْ فِي الشِّرْكِ فَإِنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا
[ ص: 696 ] عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا مِنْهُمْ : كَيْفَ كَانَ عَقْدُكَ عَلَى امْرَأَتِكَ ؟ وَهَلْ نَكَحْتَهَا فِي عِدَّتِهَا أَمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ؟ وَهَلْ نَكَحَتْ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ أَمْ لَا ؟
وَلَا سَأَلَ مَنْ كَانَ تَحْتَهُ أُخْتَانِ : هَلْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَمْ تَزَوَّجْتَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ ؟ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَلْقَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ، وَدَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ، وَلَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنْ صِفَةِ نِكَاحِهِ ، بَلْ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ حِينَ الْإِسْلَامِ أَحَدُهُمْ عَلَى نِكَاحٍ مُحَرَّمٍ كَنِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، أَوْ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ ، فَكَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ ، وَإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ ، سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَقْدٍ ، أَوْ عُقُودٍ ، وَإِنْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِذَاتِ مَحْرَمٍ كَامْرَأَةِ أَبِيهِ أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَنْظُرُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=8734صِفَةِ الْعَقْدِ فِي الْكُفْرِ : هَلْ لَهُ مَسَاغٌ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسَاغٌ صَحَّحَهُ ، وَإِلَّا أَبْطَلَهُ ، فَإِنْ تَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ ، وَإِنْ كَانَ فِي عُقُودٍ ثَبَتَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ ، وَقَدْ فَسَدَ نِكَاحُ مَنْ بَعَدَهُنَّ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ ، وَكَذَلِكَ الْأُخْتَانِ .
وَالَّذِي مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ
[ ص: 697 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=10350390الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُطَلِّقَ إِحْدَاهُمَا .
وَفِي لَفْظٍ
nindex.php?page=showalam&ids=13948لِلتِّرْمِذِيِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350391اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ " .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا : حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350392عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ nindex.php?page=treesubj&link=27248أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا " ، فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ
عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ ، وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ : إِنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ ، سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ ، وَلَعَلَّكَ أَلَّا تَمْكُثَ إِلَّا قَلِيلًا ، وَايْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ وَلَتَرْجِعَنَّ فِي مَالِكَ ، أَوْ لَأُورِثَهُنَّ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمُ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ
أَبِي رِغَالٍ .
قَالَ
أَحْمَدُ : وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16937مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، ثَنَا
مَعْمَرٌ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنُ شِهَابٍ nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ ، عَنْ
سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350393أَسْلَمَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ السَّلَامِ ، حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ [ ص: 698 ] عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ
أَبِي وَهْبٍ الْجَيْشَانِيِّ ، عَنْ
أَبِي خِرَاشٍ الرُّعَيْنِيِّ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350394عَنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدِي أُخْتَانِ تَزَوَّجْتُهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ : " إِذَا رَجَعْتَ فَطَلِّقْ إِحْدَاهُمَا " .
وَرَوَاهُ
الشَّالَنْجِيُّ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350395عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَسْلَمْتُ ، وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " اخْتَرْ إِحْدَاهُمَا " .
وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ
قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350396أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي [ ص: 699 ] ثَمَانِ نِسْوَةٍ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : " اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا " .
وَحَدِيثُ
غَيْلَانَ قَدْ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ،
وَمَالِكٌ ، لَكِنَّ
مَالِكًا أَرْسَلَهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ،
وَمُعْمَرٌ وَصَلَهُ ، وَحَكَمَ النَّاسُ
لِمَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ ، وَغَلَّطُوا
مَعْمَرًا فِي وَصْلِهِ ، وَقَالُوا : هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ .
قَالَ
الْأَثْرَمُ : ذَكَرْتُ
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَصْرِيُّونَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350397أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ " أَصَحِيحٌ هُوَ ؟ قَالَ : لَا مَا هُوَ صَحِيحٌ .
[ ص: 700 ] قَالَ مُهَنَّا : سَأَلْتُ
أَحْمَدَ ، عَنْ حَدِيثِ
مَعْمَرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
سَالِمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350397 " أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ " قَالَ : لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ .
كَانَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَقُولُ : عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ : هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ
مَعْمَرٌ بِالْبَصْرَةِ مُتَّصِلًا هَكَذَا ، فَإِنْ رَوَاهُ عَنْهُ ثِقَةٌ خَارِجَ الْبَصْرِيِّينَ حَكَمْنَا لَهُ بِالصِّحَّةِ ، أَوْ قَالَ : صَارَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا ، وَإِلَّا فَالْإِرْسَالُ أَوْلَى .
قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : فَوَجَدْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ بْنَ سَعِيدٍ الثَّوْرِيَّ ،
وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16753وَعِيسَى بْنَ يُونُسَ وَثَلَاثَتُهُمْ كُوفِيُّونَ حَدَّثُوا بِهِ عَنْ
مَعْمَرٍ مُتَّصِلًا .
قَالَ : وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، وَهُوَ يَمَامِيٌّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14553الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى ، وَهُوَ خُرَاسَانِيُّ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 701 ] وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ : ثَنَا
عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ ، ثَنَا
سَيْفُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، ثَنَا
سَرَّارُ بْنُ مُجَشِّرٍ ، عَنْ
أَيُّوبَ ، عَنْ
نَافِعٍ ،
وَسَالِمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350398أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ كَانَ عِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ ، فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا " .
قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : قَالَ لَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ،
[ ص: 702 ] تَقُومُ بِهِمُ الْحُجَّةُ .
وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ : تَفَرَّدَ بِهِ
سَرَّارُ بْنُ مُجَشِّرٍ ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ .
وَبِالْجُمْلَةِ ، فَشُهْرَةُ الْقِصَّةِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهَا ، فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَهُ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحَالُ لَتَعَيَّنَ الِاسْتِفْصَالُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ ، غَيْرُ عَارِفٍ بِشَرَائِعِ الْأَحْكَامِ ، وَتَفَاصِيلِ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ ، فَجُعِلَ الِاخْتِيَارُ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يَحُجَرْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ .
قَالَ الْمُنَازِعُونَ : قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ ،
وَمُعَاذٍ ، وَغَيْرِهِمَا الْأَمْرُ بِدُعَاءِ الْكُفَّارِ إِلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، وَلَا أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ .
قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=10990وَنِكَاحُ الْخَمْسِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ فِي الْمَنْعِ ، فَكَانَ بَاطِلًا كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ .
[ ص: 703 ] قَالُوا : وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَا وَلِيٍّ ، وَالنِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الْبَقَاءِ .
قَالُوا : وَلَيْسَ تَحْرِيمُ الْخَامِسَةِ مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ حَالُ الِابْتِدَاءِ وَالِاسْتِدَامَةِ ، وَالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ ، كَعَقْدِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجَيْنِ .
قَالُوا : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=8734بَاعَ ذِمِّيٌّ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُخَيَّرْ فِي أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ ، كَذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ يَجِبُ أَلَّا يُخَيَّرَ فِي إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ ، وَبِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْخَمْسِ فِي حَالِ الشِّرْكِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ :
إِمَّا أَنْ تَقُولُوا : إِنَّهُ صَحِيحٌ ، أَوْ فَاسِدٌ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ صَحِيحٌ ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ فَاسِدٌ ، وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا لَمْ يُصَحِّحْهُ الْإِسْلَامُ ، كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَدَدٍ مُحَرَّمٍ ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّخْيِيرُ ، كَعَقْدِ السِّلْمِ .
[ ص: 704 ] قَالُوا : وَأَمَّا الْحَدِيثُ ، فَنَحْنُ أَوَّلُ آخِذٍ بِهِ ، إِذِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350399اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا " ، تَعْقِدُ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا جَدِيدًا . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْأُخْتَيْنِ : " اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ " ، إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيرُ ابْتِدَاءٍ ، لَا تَخْيِيرُ اسْتِدَامَةٍ ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ ، وَلَوْ كَانَ تَخْيِيرَ اسْتِدَامَةٍ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ غَيْلَانُ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ يَجُوزُ فِيهَا الْعَقْدُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنَّ الْقَصْرَ عَلَى أَرْبَعٍ إِنَّمَا وَقَعَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ ، سَلَّمْنَا انْتِفَاءَ
[ ص: 705 ] ذَلِكَ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ صُورَةَ الْحَالِ ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا يَبْتَدِئُ نِكَاحَهُنَّ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ هَذَا .
قَالَ الْمُصَحِّحُونَ : الْآنَ اشْتَدَّ اللِّزَامُ ، وَاحْتَدَّ الْخِصَامُ ، وَوَجَبَ التَّحَيُّزُ إِلَى فِئَةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ قَصْدُهُمُ الِانْتِصَارُ لَهُ أَيْنَ كَانَ ، وَمَعَ مَنْ كَانَ .
قَالُوا : وَأَمَّا احْتِجَاجُكُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350400فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ " فَمَا أَصَحَّهُ مِنْ حَدِيثٍ ، وَمَا أَضْعَفَهُ مِنِ اسْتِدْلَالٍ ! وَهَلْ نَازَعَ فِي هَذَا مُسْلِمٌ حَتَّى تَحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهِ ؟ وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَسْلَمَ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ : أَخْبَرَهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ .
وَالَّذِي عَلَى الْمُسْلِمِ : أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الْعَقْدِ عَلَى أُخْتَيْنِ ابْتِدَاءً وَلَا اسْتِدَامَةً .
وَهَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350368كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " ، وَلَيْسَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=10988_10990الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالتَّزَوُّجِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، فَلِذَلِكَ كَانَ رَدًّا بِالْإِسْلَامِ ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ : إِنَّ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ أَمْرِي وَمَضَى ، وَانْقَضَى فَهُوَ رَدٌّ ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْهُ مَا قَامَ الْإِسْلَامُ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ أَمْرِهِ ، وَهَكَذَا فَعَلَ سَوَاءً ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ نِكَاحَ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ ، وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ ، إِذْ ذَلِكَ خِلَافُ أَمْرِهِ ، وَجَعَلَ الْخِيَرَةَ فِي الْمُمْسَكَاتِ إِلَى الزَّوْجِ ، وَهَذَا نَفْسُ أَمْرِهِ ، فَمَا خَالَفَ هَذَا وَهَذَا فَهُوَ رَدٌّ ، فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِكُمْ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
[ ص: 706 ] وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ نِكَاحَ الْخَمْسِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ ، وَالدَّوَامِ ، فَكَانَ بَاطِلًا كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ تَحْرِيمَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَدَدِ الْمُبَاحِ ، وَالزِّيَادَةُ يُمْكِنُ إِبْطَالُهَا دُونَ النِّصَابِ ، فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ تَخْتَصُّ بِهَا ، فَلَا مَعْنَى لِتَعْدِيَةِ الْإِبْطَالِ إِلَى النِّصَابِ ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إِضْرَارًا بِهِ ، وَتَنْفِيرًا لَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ ، وَقَدْ أَمْكَنَ إِزَالَةُ الْمَفْسَدَةِ بِمُفَارَقَةِ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ ، فَيَبْقَى النِّكَاحُ فِي حَقِّ الْأَرْبَعِ صَحِيحًا ، فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ ، كَمَا أَنَّهُ مُقْتَضَى السُّنَّةِ . وَهَذَا بِخِلَافِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي فِيهِ لَا تَزُولُ إِلَّا بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ ، لِقِيَامِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ تَحْرِيمَ الزَّائِدِ عَلَى أَرْبَعٍ إِنَّمَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ انْضِمَامِهِ إِلَى الْقَدْرِ الْجَائِزِ ، وَإِلَّا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَوِ انْفَرَدَتْ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ، بِخِلَافِ تَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ لِذَاتِهَا وَعَيْنِهَا ، فَقِيَاسُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَاسِدٌ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ تَحْرِيمَ الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِ أَخَفُّ مِنْ تَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، وَلِهَذَا أُبِيحَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ ، وَلَمْ تُبَحْ
[ ص: 707 ] [ ص: 708 ] لَهُ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ ، وَنَحْنُ لَا نَنْظُرُ إِلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَيْفَ وَقَعَ ، بَلْ إِلَى حَالِهِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ ، وَلِهَذَا قَدْ سَاعَدْتُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرٍ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَلَا مَهْرٍ ، أَوْ فِي عِدَّةٍ ، ثُمَّ انْقَضَتْ ، أَوْ بِغَيْرِ تَرَاضٍ لَمْ يُبْطِلْهُ الْإِسْلَامُ ، فَلِذَلِكَ إِذَا عَقَدَ عَلَى خَمْسٍ لَمْ نُبْطِلْهُ بِالْإِسْلَامِ ، وَإِنَّمَا يُبْطَلُ الزَّائِدُ عَلَى النِّصَابِ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ تَحْرِيمَ الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ ، فَلَمْ يَفْتَرِقِ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ ، وَالِاسْتِدَامَةِ ، كَعَقْدِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجَيْنِ ، فَمَا أَفْسَدَهُ مِنْ قِيَاسٍ ! فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرَائِعُ وَلَا الطَّبَائِعُ ، وَلَا تُسَوِّغُهُ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَدْيَانِهَا وَآرَائِهَا .
وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، وَبَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ فَقَدْ كَانَ جَائِزًا فِي بَعْضِ الشَّرَائِعِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ) ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ قَدْ فَعَلَهُ
دَاوُدُ ،
وَسُلَيْمَانُ ، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
وَبِالْجُمْلَةِ ، فَعَقْدُ الرَّجُلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنِ امْرَأَةٍ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=10998وَعَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ مَفْسَدَةٌ خَالِصَةٌ ، أَوْ رَاجِحَةٌ ، فَاعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَاسِدٌ عَقْلًا ، وَطَبْعًا ، وَشَرْعًا .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : لَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُخَيَّرْ فِي أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ ، كَذَلِكَ لَا يُخَيَّرُ فِي الْأُخْتَيْنِ ، فَمَا أَفْسَدَهُ مِنْ قِيَاسٍ ! فَإِنَّ الصَّرْفَ إِذَا لَمْ يُقْبَضْ لَمْ يَلْزَمْ فِي الْعَقْدِ إِنْ قَبَضَهُ ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ ، فَإِنَّهُمْ إِذَا
[ ص: 709 ] تَعَاقَدُوا عُقُودَ الرِّبَا وَتَقَابَضُوا ، ثُمَّ أَسْلَمُوا لَمْ نَفْسَخْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا لَمْ نُمْضِهَا ، وَهَكَذَا النِّكَاحُ ، فَإِنَّهُ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ ، وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ قَائِمٌ ، أَبْطَلْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدِ انْقَضَى لَمْ نَعْرِضْ لَهُ . وَإِنَّمَا لَمْ نُخَيِّرْهُ فِي أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ ، وَخَيَّرْنَاهُ فِي إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَخْيِيرِهِ فِي أَحَدِ الدِّرْهَمَيْنِ ، وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا مَصْلَحَةَ ، بِخِلَافِ تَخْيِيرِهِ بَيْنَ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخَيَّرَ الْعَقْدَ فِي دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ ، وَيُجْعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ ، فَنَفْيُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمُ : الْعَقْدُ عَلَى الْخَمْسِ فِي حَالِ الشِّرْكِ إِمَّا أَنْ يَقَعَ صَحِيحًا ، أَوْ فَاسِدًا . . . إِلَى آخِرِهِ ، فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي الْجَمِيعِ ، فَإِذَا أَسْلَمَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِي إِحْدَاهِنَّ : هَذَا جَوَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى .
قَالَ : " وَقَدْ نَصَّ
أَحْمَدُ عَلَى هَذَا : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=11456تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ أُمًّا وَبِنْتًا ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُمِّ " .
قَالَ : " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ النِّكَاحُ فِي الْبِنْتِ حَتَّى صَارَتْ هِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فِيهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُمَا شَاءَ ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي الْعَقْدِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ خَمْسَةٍ " .
قَالَ : " وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْخَامِسَةَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ ، وَيَسْتَدِيمَ نِكَاحَهَا عَلَى حَدِيثِ غَيْلَانَ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِكَاحًا حَكَمْنَا بِفَسَادِهِ " .
[ ص: 710 ] وَقَوْلُكُمْ : إِنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُهُ ، وَنَقْضُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى أَرْبَعٍ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُغَيِّرُ مَا يُطَابِقُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ ، وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ يُخَالِفُ حُكْمَهُ ، فَلِهَذَا غَيَّرَهُ كَمَا لَوْ تَعَاقَدَا عَقْدَ صَرْفٍ ، وَأَسْلَمَا قَبْلَ التَّقَابُضِ حَكَمْنَا بِفَسَادِهِ ، وَإِنْ كَانَ الصَّرْفُ فِي الْجُمْلَةِ جَائِزًا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْوَثَنِيُّ قَبْلَ الدُّخُولِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ ، وَلِأَنَّ تَغْيِيرَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا هُوَ إِلْزَامٌ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوجِبَ الْإِسْلَامُ إِزَالَةَ أَشْيَاءَ لَمْ تَكُنْ حَالَ الْكُفْرِ كَالْعِبَادَاتِ .
وَعِنْدِي جَوَابٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11456الْعَقْدَ الَّذِي وَقَعَ فِي حَالِ الْكُفْرِ - عَلَى هَذَا الْوَجْهِ - لَا يُحْكَمُ لَهُ بِصِحَّةٍ ، وَلَا فَسَادٍ ، بَلْ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كَمَا يُقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ ، فَإِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ لَمْ نَتَعَرَّضْ لِعُقُودِهِمْ ، وَإِنْ أَسْلَمُوا حُكِمَ بِبُطْلَانِ مَا يَقْتَضِي الْإِسْلَامُ بُطْلَانَهُ - مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ - كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ عُقُودِهِمْ مِنْ بِيَاعَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا ، فَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَفْوٌ لَا نَحْكُمُ لَهُ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) ، فَأَمَرَ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ دُونَ رَدِّ مَا قُبِضَ ، وَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا ، بَلْ كَانَ عَفْوًا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) ، فَجَعَلَ لَهُ مَا سَلَفَ مِنَ الرِّبَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَهُ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْهَا ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ مَا يُحَرِّمُهُ الْإِسْلَامُ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ جَمِيعِهِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُبْطِلْ مَا وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى خِلَافِ شَرْعِهِ ، وَأَمَرَ بِالْتِزَامِ شَرْعِهِ مِنْ حِينِ قَامَ
[ ص: 711 ] الشَّرْعُ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَابِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ إِذَا أَسْلَمُوا عَلَيْهَا وَجَدَهُ مُشْتَقًّا مِنَ الْقُرْآنِ مُطَابِقًا لَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّهُ عَقَدَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ التَّخْيِيرُ ، كَعَقْدِ السِّلْمِ ، فَهَلْ فِي الْقِيَاسِ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَطْرُدَ هَذَا الْقِيَاسَ فَيَفْسَخَ كُلَّ نِكَاحٍ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ ، وَكُلَّ بَيْعٍ ، وَكُلَّ إِجَارَةٍ ، وَكُلَّ عَقْدٍ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ ، وَلَا شُهُودٍ ، وَلَا مَهْرٍ ، وَكُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَقَعَ فِيهِ التَّقَابُضُ ؟ !
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ ، فَكَلَّا بَلْ أَوَّلُ مَنْ تَلَطَّفَ فِي رَدِّهِ بِمَا لَا يُرَدُّ بِهِ ، وَمَا تَأَوَّلْتُمْ بِهِ الْحَدِيثَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ " تَخْيِيرُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ " بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ .
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350401أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ " ، وَهَذَا يَقْتَضِي إِمْسَاكَهُنَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) ، وَلَا يُعْقَلُ الْإِمْسَاكُ غَيْرُ هَذَا .
فَإِنْ قُلْتُمْ : يَعْنِي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350402أَمْسِكْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ " تَزَوَّجْ أَرْبَعًا ، خَرَجَ اللَّفْظُ عَنِ الْقِيَاسِ إِلَى الْأَلْغَازِ وَاللَّبْسِ الَّذِي يَتَنَزَّهُ عَنْهُ كَلَامُ الْمُبِينِ عَنِ اللَّهِ .
[ ص: 712 ] الثَّانِي : أَنَّهُ جَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=11455_27248الْإِمْسَاكَ ، وَالِاخْتِيَارَ إِلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْدَ لَكَانَ الِاخْتِيَارُ إِلَيْهِنَّ لَا إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِنَّ إِلَّا بِرِضَاهُنَّ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالِاخْتِيَارِ ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَبَى الِاخْتِيَارَ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ، فَإِنِ امْتَنَعَ ضَرَبَهُ حَتَّى يَخْتَارَ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يَصِحُّ عِنْدَكُمْ إِلَّا إِذَا كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، فَأَمَّا إِذَا تَزَوَّجَهُنَّ بِعُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ ، وَيَبْطُلُ نِكَاحُ مَنْ عَدَاهُنَّ ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ : إِذَا كُنْتَ قَدْ تَزَوَّجْتَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، فَنِكَاحُ الْجَمِيعِ بَاطِلٌ ، وَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُفْهَمُ أَصْلًا مِنْ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350403اخْتَرْ أَرْبَعًا ، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ " ، وَلَا يَفْهَمُ الْمُخَاطَبُ وَلَا غَيْرُهُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَلْبَتَّةَ .
الْخَامِسُ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَهْدَ بِالْإِسْلَامِ الْجَاهِلَ بِالْأَحْكَامِ عَنْ كَيْفِيَّةِ عَقْدِهِ ، وَلَا اسْتَفْصَلَهُ .
السَّادِسُ : مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ :
[ ص: 713 ] عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=179عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ
نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيِّ قَالَ : "
أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي خَمْسُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَمْسِكْ أَرْبَعًا ، وَفَارِقِ الْأُخْرَى " فَعَمَدْتُ إِلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً : عَجُوزٍ عَاقِرٍ ، مَعِي مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً ، فَفَارَقْتُهَا " . فَفَهِمَ الْمُخَاطَبُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ حَقِيقَتَهُ ، وَعَمِلَ بِهَا .
[ ص: 714 ] [ ص: 715 ] السَّابِعُ : أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350405طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ " ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ عَلَى قَوْلِ الْمُنَازِعِ ، فَإِنَّهُ إِنْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ ، وَلَيْسَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ، وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا مَعًا فَنِكَاحُهُمَا عِنْدَهُ بَاطِلٌ ، وَلَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ .
الثَّامِنُ : أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ : "
أَمْسِكْ إِحْدَاهُمَا " ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِكُمْ لَا يَتَأَتَّى ، فَإِنَّهُ إِنْ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُمْسِكَهُمَا ، وَإِنْ سَبَقَ عَقْدُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَكُمْ أَنْ يُقَالَ : أَمْسِكِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350406أَمْسِكْ إِحْدَاهُمَا وَأَيَّتَهُمَا شِئْتَ " .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَجُوزُ فِيهِ الْعَقْدُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ، فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ جَائِزًا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ ، لَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، وَلَا بَعْدَهَا ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَنُقِلَ مَعَ مَا نُقِلَ مِنَ النَّاسِخِ ، وَالْمَنْسُوخِ ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ هَذَا قَطُّ .
فَإِنْ قِيلَ : نَحْنُ لَمْ نَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ أُبِيحُ لَفْظًا ، ثُمَّ نُسِخَ ، بَلْ كَانَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَالْعَفْوِ حَتَّى حَرَّمَهُ الْقُرْآنُ ، قِيلَ : هَذَا لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ التَّحْرِيمُ إِلَّا مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ الْبُطْلَانُ إِلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَعَكْسُ هَذَا الْعُقُودُ وَالْمَطَاعِمُ ، الْأَصْلُ فِيهَا الصِّحَّةُ وَالْحَلُّ إِلَّا مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَحَرَّمَهُ ، وَهَذَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ .
[ ص: 716 ] الثَّانِي : أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا ، أَوْ مُبَاحًا إِبَاحَةَ الْعَفْوِ لَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ يَفْعَلُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ ، مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ ، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ . أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا الْمُتْعَةَ لَمَّا كَانَتْ مُبَاحَةً ، وَشَرِبَ الْخَمْرَ مِنْهُمْ مَنْ شَرِبَهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ : هَلْ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ ، أَوْ بَعْدَهُ ؟ كَمَا لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى أُصُولِ الْمُنَازِعِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10991تَزَوَّجَ الْحُرُّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثُمَّ اسْتُرِقَّ ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ نِكَاحُهُنَّ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ مَا زَادَ عَلَى الثِّنْتَيْنِ بِالِاسْتِرْقَاقِ ، وَنِكَاحُ الْأَرْبَعِ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ نِكَاحُهُنَّ ، فَكَانَ يَجِبُ - عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنَ التَّأْوِيلَاتِ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى أَرْبَعٍ فِي حَالٍ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَهُ فِيهَا ، ثُمَّ وَرَدَ التَّحْرِيمُ . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ الْحَالَ ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَرْبَعٍ يَبْتَدِئُ نِكَاحَهُنَّ ، فَهُوَ بَاطِلٌ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ .
وَنَزِيدُهَا هَاهُنَا وَجْهًا آخَرَ : وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ ، وَإِلْغَاءَ السَّبَبِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا عَلَّقَ الِاخْتِيَارَ بِكَوْنِهِ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ،
[ ص: 717 ] وَعِنْدَكُمْ الِاخْتِيَارُ إِنَّمَا عُلِّقَ عَلَى اجْتِمَاعِهِنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَوْ كَانَ اخْتِيَارًا . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .