202 - فصل
المذهب السابع : أن . حكمهم حكم آبائهم في الدنيا ، والآخرة
فلا يفردون عنهم بحكم في الدارين : فكما أنهم منهم في الدنيا فهم منهم في الآخرة .
والفرق بين هذا المذهب ، وبين مذهب من يقول : " هم في النار " أن [ ص: 1132 ] صاحب هذا المذهب يجعلهم معهم تبعا لهم ، حتى لو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما لم يحكم لأفراطهما بالنار .
وصاحب القول الآخر يقول : هم في النار ، لكونهم ليسوا بمسلمين ، ولم يدخلوا النار تبعا ، وهؤلاء يحتجون بحديث عائشة - رضي الله عنها - الذي تقدم ذكره " أنهم في النار " .
وبما في " الصحيحين " من حديث الصعب بن جثامة : . سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم ، وذراريهم ، فقال : " هم منهم "
ومثله حديث الأسود بن سريع ، وقد تقدم .
واحتجوا بحديث " ابن مسعود " ، فدخلت الوائدة النار بكفرها ، والموءودة تبعا لها . الوائدة والموءودة في النار
قالوا : وكما أن إتباع ذرية المؤمنين بآبائهم كان إكراما لهم وزيادة في ثوابهم ، وأن الإتباع إنما استحق بإيمان الآباء ، فكذلك إذا انتفى إيمان الآباء انتفى الإتباع الذي تحصل به النجاة ، ولا حجة لهم في شيء من ذلك .
أما حديث عائشة فالصحيح فيه ما تقدم ذكره ، وجواب النبي - صلى [ ص: 1133 ] الله عليه وسلم - لها بقوله : " " . الله أعلم بما كانوا عاملين
وأما حديثها الآخر - وهو قوله : " هم في النار " فلا يصح ، وقد تقدم الكلام عليه .
وأما قوله " هم من آبائهم " فليس فيه تعرض للعذاب ، وإنما فيه أنهم منهم في الحكم ، وأنهم إذا أصيبوا في البيات لم يضمنوا ، وهذا مصرح به في حديث الصعب والأسود بن سريع أنه في الجهاد .
وأيضا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال : " " ، ولم يقل : هم مع آبائهم ، وفرق بين اللفظين ، وكونهم " منهم " لا يقتضي أن يكونوا " معهم " في الآخرة ، بخلاف كونهم " منهم " فإنه يقتضي أن تثبت لهم أحكام الآباء في الدنيا من التوارث ، والحضانة ، والولاية وغير ذلك من أحكام الإيلاد ، والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث ، والمؤمن من الكافر . هم من آبائهم
والحديث إنما دل على أنهم " من آبائهم " ، وهذا لا شك فيه أنهم يولدون منهم ، ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - الإخبار بمجرد ذلك ، وإنما أراد أنهم " منهم في الحكم " ، وهو لم يقل : على دين آبائهم .
فإن قيل : لو لم يكونوا على دينهم ، وكانوا على الحنيفية كما ذكرتم لوجب أن يصلى عليهم إذا ماتوا ، وأن يدفنوا في مقابر المسلمين ، وأن يرثهم [ ص: 1134 ] أقاربهم المسلمون ، وألا يمكن أبواهم من تهويدهم وتنصيرهم ، إذ لا يجوز تمكين الكافر من تهويد المسلم ، وتنصيره ، فدل انتفاء هذا كله على أنهم " منهم في الدين " ، وأنهم تبع لهم فيه ، كما أن أطفال المسلمين منهم في الدين ، وأنهم تبع لهم فيه ، قيل : هذا وما نقول سواء إذا لم يكن الطفل مع أبويه ، أو مع كافله من أقاربه عملا بمقتضى الفطرة ، والحنيفية التي خلقوا عليها .
وأما إذا كان الطفل بين أبويه ، فإن الذي خلقه على الفطرة ، والحنيفية أقر أبويه على تربيته ، وتهويده ، وتنصيره ، وذلك لضرورة بقاء نوع الكفار في الأرض ، إذ لو منع من ذلك مانع - فالآباء يموتون ، والأطفال يحكم لهم بحكم الإسلام - لانقطع الكفر من الأرض ، وكان الدين كله دين الإسلام ، وبطل الجهاد .
والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون في الأرض الكفار والمسلمون ، والأبرار والفجار ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وليس في ترك الصلاة عليهم ما يوجب أن يكونوا كفارا مخلدين ، فالشهداء هم من أفاضل المسلمين ، ولا يصلى عليهم .
وأما فلا يقتضي أيضا أن يكونوا كفارا في أحكام الآخرة ، فالعبد المسلم لا يرث ولا يورث ، وكثير من العلماء يورث المسلم مال المرتد إذا مات على ردته ، وهذا القول هو الصحيح ، وهو اختيار شيخنا ، وهذا انقطاع التوارث بينهم ، وبين أقاربهم المسلمين ، معاذ بن جبل ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وخلق من الصحابة والتابعين ، ومسروق بن الأجدع وغيره من الأئمة يورثون المسلمين من أقاربهم الكفار إذا ماتوا . وإسحاق بن راهويه
[ ص: 1135 ] وأما حديث " ابن مسعود " فقد تقدم أن هذا الحديث إنما يدل على أن بعض الأطفال في النار ، ولا يدل على أن كل موءودة في النار ، وقد تقدم جواب الوائدة والموءودة في النار وما فيه . أبي محمد بن حزم
وأحسن من هذين الجوابين أن يقال : هي في النار ما لم يوجد سبب يمنع دخولها النار : ففرق بين كون الوأد " مانعا " من دخول النار ، وكونه " غير مانع " ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الموءودة في النار : أي كونها موءودة غير مانع لها من دخول النار بسبب يقتضي الدخول .