208 - فصل
[ مآل معابد أهل الذمة ]
وأما أنه فهذا فيه خلاف معروف في مذاهب الأئمة الأربعة : منهم من يقول : لا يجوز تركها لهم ؛ لأنه إخراج ملك المسلمين عنها وإقرار الكفر بلا عهد قديم . هل يجوز للإمام عقد الذمة مع إبقاء المعابد بأيديهم ؟
ومنهم من يقول : بجواز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فيها ، وكما أقر الخلفاء الراشدون الكفار على المساكن والمعابد التي كانت بأيديهم .
فمن قال بالأول قال : حكم الكنائس حكم غيرها من العقار ، منهم من يوجب إبقاءه ، كمالك في المشهور عنه وأحمد في رواية .
ومنهم من يخير الإمام فيه بين الأمرين بحسب المصلحة وهذا قول [ ص: 1191 ] الأكثرين ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه ، وعليه دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قسم نصف خيبر وترك نصفها لمصالح المسلمين .
ومن قال : يجوز إقرارها بأيديهم ، فقوله أوجه وأظهر فإنهم لا يملكون بهذا الإقرار رقاب المعابد كما يملك الرجل ماله ، كما أنهم لا يملكون ما ترك لمنافعهم المشتركة كالأسواق والمراعي ، كما لم يملك أهل خيبر ما أقرهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المساكن والمعابد ، ومجرد إقرارهم ينتفعون بها ليس تمليكا كما لو أقطع المسلم بعض عقار بيت المال ينتفع بغلته أو سلم إليه مسجد أو رباط ينتفع به لم يكن ذلك تمليكا له ، بل ما أقروا فيه من كنائس العنوة يجوز للمسلمين انتزاعها منهم إذا اقتضت المصلحة ذلك كما انتزعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل خيبر بأمره بعد إقرارهم فيها ، وقد طلب المسلمون في خلافة أن يأخذوا من الوليد بن عبد الملك النصارى بعض كنائس العنوة التي خارج دمشق ، فصالحوهم على إعطائهم الكنيسة التي داخل البلد وأقر ذلك أحد الخلفاء الراشدين ومن معه في عصره من أهل العلم ، فإن المسلمين لما أرادوا أن يزيدوا جامع عمر بن عبد العزيز دمشق بالكنيسة التي إلى جانبه وكانت من كنائس الصلح ، لم يكن لهم أخذها قهرا فاصطلحوا على [ ص: 1192 ] المعاوضة بإقرار كنائس العنوة التي أرادوا انتزاعها ، وكان ذلك الإقرار عوضا عن كنيسة الصلح التي لم يكن لهم أخذها عنوة .