ولو شئنا لرفعناه بها في هاء الكناية قولان : أحدهما أنها تعود إلى الإنسان المذكور . قاله الجمهور . والثاني : إلى الكفر بالآيات ، فيكون المعنى : ولو شئنا لرفعنا عنه الكفر بآياتنا . روي عن قوله تعالى : مجاهد . ولكنه أخلد إلى الأرض أي ركن إلى الدنيا وسكن واتبع هواه أي انقاد إلى ما دعاه إليه الهوى .
[ ص: 221 ] وهذه الآية من أشد الآيات على العلماء إذا مالوا عن العلم إلى الهوى .
فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث المعنى : أن الكافر إن زجرته لم ينزجر ، وإن تركته لم يهتد ، كالكلب إن طرد كان لاهثا وإن ترك كان لاهثا .
قال ابن قتيبة : كل لاهث إنما يكون من إعياء أو عطش إلا الكلب ، فإنه يلهث في حال راحته وحال كلاله ؛ وفي حال الري وحال العطش .
قال المفسرون : زجر في منامه عن الدعاء على بني إسرائيل فلم ينزجر ، وخاطبه أتانه فلم ينته .
وهذا رجل لم ينفعه علمه بل ضره . قال العلم يضرك إذا لم ينفعك . وقال سفيان بن عيينة : نبئت أن بعض من يلقى في النار يتأذى أهل النار بريحه فيقال له : ويحك ما كنت تعمل ؟ أما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك وبنتن ريحك ! فيقول : كنت عالما ولم أنتفع بعلمي . منصور بن زاذان :
وكتب حكيم إلى حكيم : يا أخي قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم !
وكان عيسى بن مريم يقول : يا معاشر العلماء مثلكم مثل الدفلى يعجب ورده من نظر إليه ويقتل طعمه من أكله ، كلامكم دواء يبرئ الداء وأعمالكم داء لا يقبل الدواء ، والحكمة تخرج من أفواهكم وليس بينها وبين آذانكم إلا أربع أصابع ثم لا تعيها قلوبكم ! معشر العلماء كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلبه ليعمل به ، العلم فوق رؤوسكم والعمل تحت أقدامكم ، فلا أحرار كرام ولا عبيد أتقياء .