يا من أغصان إخلاصه ذاوية ، وصحيفته من الطاعات خاوية ، لكنها لكبار الذنوب حاوية ، يا من همته أن يملأ الحاوية ، كم بينك وبين البطون الطاوية ، كم بين طائفة الهدى والغاوية ، اعلم أن أعضاءك في التراب ثاوية ، لعلها تتفرد بالجد في زاوية ، قبل أن تعجز عند الموت القوة المقاوية ، وترى عنق الميزان لقلة الخير لاوية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية .
ذكر الحساب أطار عن أعين المتقين النعاس ، ولتثقيل الميزان فرغت أكياس الكياس .
قالت مولاة أبي أمامة : لا يرد سائلا ولو بتمرة ، أبو أمامة فأتاه سائل ذات يوم [ ص: 249 ] وليس عنده إلا ثلاثة دنانير فأعطاه دينارا ، ثم أتاه سائل فأعطاه دينارا ، ثم أتاه سائل فأعطاه دينارا ، قالت : فغضبت وقلت : لم تترك لنا شيئا ؟ فوضع رأسه للقائلة فلما نودي للظهر أيقظته فتوضأ ثم راح إلى المسجد . قالت فرققت عليه وكان صائما ، فاقترضت ما جعلت له عشاء وأسرجت له سراجا ، وجئت إلى فراشه لأمهده له ، فإذا صرة ذهب فعددتها فإذا هي ثلاثمائة دينار ، فقلت رحمك الله ! ما صنع الذي صنع إلا وقد وثق بما عنده . فأقبل بعد العشاء فلما رأى المائدة والسراج تبسم وقال : هذا خير من غيره . فقمت على رأسه حتى تعشى ، فقلت : رحمك الله ! خلفت هذه النفقة في سبيل الله مضيعة ولم تخبرني فأدفعها ؟ قال : وأي نفقة ؟ ما خلفت شيئا . قالت : فرفعت الفراش ، فلما رآه فرح واشتد تعجبه . قالت : فقمت فقطت زناري وأسلمت على يده . وكانت تعلم النساء القرآن والفرائض والسنن . انظروا ثمرة المعاملات : هذا نقد فكيف الوعد . كان
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي ، قالا أنبأنا طراد ، قالا أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا ابن صفوان ، حدثنا عن أبو بكر ، قال حدثني محمد بن الحسين ، أحمد بن سهيل ، قال : حدثني خالد بن الغور ، قال : كان من البكائين ، وكان ضيق الحال جدا ، فجلست إليه يوما وهو وحده فقلت له : لو دعوت الله يوسع عليك ؟ فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا فأخذ حصاة من الأرض فقال : اللهم اجعلها ذهبا . فإذا هي والله تبرة في كفه ما رأيت أحسن منها . فرمى بها إلي فقلت : ما أصنع بها قال استنفقها . فهبته والله أن أرده . حيوة بن شريح
أخبرنا ابن ناصر ، أنبأنا الحسين بن أحمد ، أنبأنا هلال بن محمد ، أنبأنا جعفر الخلدي ، حدثنا ابن مسروق ، حدثنا عن محمد بن الحسين ، محمد بن عبد العزيز بن سليمان ، قال : سمعت دهثما وكان من العابدين يقول : اليوم الذي لا آتي فيه كنت مغبونا . فأبطأت عليه يوما أتيته فقال : ما الذي أبطأ بك ؟ قلت : خير . قال : على أي حال . قلت : شغلنا العيال ، كنت ألتمس لهم شيئا . قال : فوجدته ؟ قلت : لا . قال : فهلم فلندع . فدعا وأمنت ودعوت وأمن . ثم نهضنا لنقوم فإذا والله الدراهم والدنانير تتناثر في حجورنا . فقال : دونكها . ومضى . عبد العزيز
ما خسر معنا معامل ، ولا قاطعنا مواصل .
وما أدراك ما هيه يعني الهاوية قوله تعالى : نار حامية أي حارة قد انتهى حرها .
[ ص: 250 ] كان السلمي إذا عوتب في كثرة بكائه يقول : إني إذا ذكرت أهل النار مثلت نفسي بينهم ، فكيف بنفس تغل وتسحب أن لا تبكي . عطاء
رحم الله أعظما نصبت في الطاعة وانتصبت ، جن عليها الليل فلما تمكن وثبت ، كلما ذكرت جهنم رهبت وهربت ، وكلما تصورت ذنوبها ناحت عليها وندبت .
يبكي حتى أخذ بكفيه من دموعه فرمى بها . ابن مسعود كان يبكي حتى نشفت دموعه وقلصت عيناه . عبد الله بن عمر وبكى وكان حتى فسدت عينه ، وكانت مفتوحة لا يبصر بها . وكان هشام الدستوائي الفضيل قد ألف البكاء فربما بكى في نومه فيسمعه أهل الدار .
بكى الباكون للرحمن ليلا وباتوا دمعهم لا يسأمونا بقاع الأرض من شوق إليهم
تحن متى عليها يسجدونا
ومجلسنا مأتم للذنوب فابكوا فقد حان منا البكا
ويوم القيامة ميعادنا لكشف الستور وهتك الغطا
وكان يقدم إصبعه إلى المصباح فإذا وجد حرارة النار قال لنفسه : ما حملك على ما صنعت يوم كذا . الأحنف بن قيس
قال بعض السلف : دخلت على عابد وقد أوقد نارا بين يديه وهو يعاتب نفسه وينظر إلى النار فلم يزل كذلك حتى خر ميتا .
دخل إلى الحمام فسمع قارئا يقرأ : ابن وهب وإذ يتحاجون في النار فسقط مغشيا عليه فحمل .