المجلس الحادي والعشرون : 
في قصة بلقيس   
الحمد لله الذي يخضع لقدرته من يعبد ، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد ، ولطيب مناجاته يسهر العابد ولا يرقد ، ولطلب ثوابه يقوم المصلي ويقعد ، إذا دخل الدخل في العمل له يفسد ، وإذا قصدت به سوق الخلق يكسد ، يحل كلامه عن أن يقال مخلوق ويبعد ، جدد التسليم لصفاته مستقيم الجد جد ، وكرمه سياح فلا يحتاج أن يقال جد جد ، من شبه أو عطل لم يرشد ، ما جاء في القرآن قبلنا أو في السنة لم نردد ، فأما أن تقول في الخالق برأيك فإنك تبرد ، أليس هذا اعتقادكم يا أهل الخير ، وكيف لا أتفقد العقائد خوفا من الضير ، فإن سليمان  تفقد الطير " فقال : ما لي لا أرى الهدهد " . 
أحمده حمد من يرشد بالوقوف على بابه ولا يشرد ، وأصلي على رسوله محمد  الذي قيل لحاسده : فليمدد  ، وعلى  الصديق  الذي في قلوب محبيه فرحات وفي صدور مبغضيه قرحات لا تنفد ، وعلى  عمر  الذي لم يزل يقوي الإسلام ويعضد ، وعلى  عثمان  الذي جاءته الشهادة فلم يردد ، وعلى  علي  الذي كان ينسف زرع الكفر بسيفه ويحصد ، أتحبه وتبغض  أبا بكر  تبرد ، وعلى عمه  العباس  الذي يعلو نسبه الأنساب ويمجد . 
قال الله عز وجل : وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد   . 
كان سليمان  عليه السلام إذا أراد سفرا قعد على سريره ووضعت الكراسي يمينا وشمالا ، فتجلس الإنس والجن وتظلهم الطير ، ويأمر الريح فتحملهم . 
فنزل في بعض أسفاره مفازة فسأل عن بعد الماء هناك ، فقالوا : لا نعلم . فقالت الشياطين : إن يك من يعلم فالهدهد . فقال : علي بالهدهد . فلم يوجد " فقال : ما لي لا أرى الهدهد " والمعنى : ما للهدهد لا أراه أم كان  أي بل كان من الغائبين  لأعذبنه عذابا شديدا  قال  ابن عباس :  كان ينتف ريشه . وقال الضحاك :  يشد رجليه ويشمسه . أو ليأتيني بسلطان  أي حجة . وكان الهدهد حين نزل سليمان  قد ارتفع في السماء يتأمل  [ ص: 253 ] الأرض فرأى بستانا لبلقيس  فمال إلى الخضرة ، فإذا هو بهدهد لها فقال : من أين أقبلت ؟ قال : من الشام  مع صاحبي سليمان .  فمن أين أنت ؟ قال : من هذه البلاد وملكتها بلقيس .  فانطلق معه فرأى بلقيس  وملكها . وبلقيس لقب واسمها بلقمة بنت ذي مسرح . وقيل بنت الشيصبان  ملك سبإ ،  فلما احتضر استخلفها لما عرف من رأيها وتدبيرها ، فملكت وكانت ساكنة في أرض سبإ  وهي مأرب ،  وكانت تحت يدها الملوك . 
فلما رآها الهدهد وجاء قال له سليمان :  ما الذي غيبك ؟ " قال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ   " وسبأ  هي القبيلة التي هي من أولاد سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان .  وهو اسم رجل . 
أخبرنا  ابن الحصين ،  قال أنبأنا  ابن المذهب ،  قال أنبأنا  أحمد بن جعفر ،  حدثنا  عبد الله بن أحمد ،  حدثني أبي ، حدثنا أبو عبد الرحمن بن لهيعة ،  عن عبد الله بن هبيرة ،  عن عبد الرحمن بن وعلة ،  عن  ابن عباس ،  قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبإ  أرجل أم امرأة أم أرض ؟ فقال : بل هو رجل ولد له عشرة أولاد فسكن اليمن  منهم ستة ومنهم بالشام  أربعة . فأما اليمانيون فمذحج  وكندة  والأزد  والأشعريون  وأنمار  وحمير .  وأما الشامية فلخم  وجذام  وعاملة  وغسان   " . 
				
						
						
