إني وجدت امرأة تملكهم يعني بلقيس وأوتيت من كل شيء يعطاه الملوك ولها عرش عظيم وهو السرير . وكان من ذهب وقوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ .
ألا يسجدوا لله والمعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا لله قوله تعالى : الذي يخرج الخبء أي المستتر .
فقال سليمان : سننظر أصدقت وإنما شك في خبره لأنه أنكر أن يكون لغيره في الأرض سلطان .
ثم كتب كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهدهد وقال : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم أي استتر فانظر ماذا يرجعون من الجواب فحمله في منقاره حتى وقف على رأس المرأة فرفرف ساعة والناس ينظرون إليه فرفعت رأسها فألقى الكتاب في [ ص: 254 ] حجرها ، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت وقالت : إني ألقي إلي كتاب كريم لكونه مختوما .
فاستشارت قومها فقالت : يا أيها الملأ تعني الأشراف ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدا مع كل قائد منهم عشرة آلاف ، وقيل كان معها مائة ألف أفتوني في أمري أي بينوا لي ما أفعل وأشيروا علي ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون أي تحضرون وأقطع بمشورتكم .
قالوا نحن أولو قوة والمعنى نقدر على القتال والأمر إليك في القتال وتركه .
قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أي عنوة أفسدوها أي خربوها وأذلوا أهلها . فصدقها الله تعالى فقال : وكذلك يفعلون وإني مرسلة إليهم بهدية وذلك أنها أرادت أن تعلم : هل هو نبي فلا يريد الدنيا ، أو ملك فيسترضى بالحمل . فبعثت ثلاث لبنات من ذهب ، في كل لبنة مائة رطل وياقوتة حمراء طولها شبر مثقوبة ، وثلاثين وصيفة وألبستهم لباسا واحدا فلا يعرف الذكر من الأنثى . ثم كتبت إليه : قد بعثت كذا وكذا فأدخل في الياقوتة خيطا واختم على طرفيه بخاتمك ، وميز بين الجواري والغلمان . فأخبره أمير الشياطين بما بعثت به قبل القدوم فقال : انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال لبنات من ذهب . فبعث الشياطين فقطعوا اللبن من الجبال وطلوه بالذهب وفرشوه ، ونصبوا في الطريق أساطين الياقوت الأحمر . فلما جاءت الرسل قال بعضهم لبعض : كيف تدخلون على هذا الرجل بثلاث لبنات وعنده ما رأيتم ؟ فقالوا : إنما نحن رسل .
فلما دخلوا عليه قال أتمدونن بمال ثم دعا دودة فربط فيها خيطا وأدخلها في ثقب الياقوتة حتى خرجت من طرفها الآخر ، ثم جمع طرفي الخيط فختم عليه ، ثم ميز بين الغلمان والجواري بأن أمرهم بالوضوء ، فبدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها . هذا قول وقال سعيد بن جبير . بدأ الغلام يغسل ظواهر السواعد قبل بطونها ، والجواري على عكس ذلك . قتادة :
ثم قال للرسول : ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها فلما عادت الرسل [ ص: 255 ] وأخبرت بلقيس بعثت إليه : إني قادمة إليك لأنظر ما تدعو إليه ، ثم أمرت بعرشها فجعل وراء سبعة أبواب ، ووكلت به حرسا يحفظونه ، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك ألوف . فجلس سليمان عليه السلام على سرير ملكه ، فرأى رهجا فقال : ما هذا ؟ قالوا : بلقيس قد نزلت بهذا المكان . فقال : أيكم يأتيني بعرشها قال عفريت وهو القوي الشديد : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك أي مجلسك . فقال : أريد أسرع من ذلك . قال الذي عنده علم من الكتاب وهو واصف بن برخيا ، وكان يعرف الاسم الأعظم ، وكان يقوم على رأس سليمان بالسيف . قال دعا فقال : يا ذا الجلال والإكرام . فبعث الله تعالى الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يخدون به الأرض خدا ، حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي مجاهد : سليمان فقال : نكروا لها عرشها فغيروه وزادوا فيه ونقصوا فلما قيل أهكذا عرشك ؟ " قالت : كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها " أي قالت قد أوتيت العلم بصحة نبوة سليمان بأمر الهدهد والرسل الذي بعثت من قبل هذه الآية وصدها ما كانت تعبد والمعنى : أنها كانت عاقلة وإنما كانت تتبع دين آبائها .
فأمر سليمان الشياطين فبنوا لها صرحا على الماء من زجاج ، وهو القصر ، وكانت الشياطين قد وقعت فيها عنده وقالوا : رجلها كرجل الحمار ، فأراد أن يرى ذلك ، فقيل لها : ادخلي الصرح فحسبته لجة وهو معظم الماء وكشفت عن ساقيها لدخول الماء فقال سليمان : إنه صرح ممرد أي مملس من قوارير أي من زجاج . فعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى . فقالت : رب إني ظلمت نفسي أي بما سبق من الكفر .
ثم تزوجها سليمان عليه السلام وردها إلى ملكها ، وكان يزورها في كل شهر مرة ، ويقيم عندها ثلاثة أيام ، وبقي ملكها إلى أن توفي سليمان ، فزال ملكها بموته .